يبيت أحدهم متقلبا في أمان الله ونعيمه وفي الصباح يجهد نفسه بنظم قصيدة بكاء على الأمة، تارة الأمة العربية وتارة الأمة الإسلامية، أو هما معاً.
حال الأمة هو الموضوع المفضل الجاهز لكل ناظم بكاء. بثلاث فقرات دائمة: أمة عظيمة، انهيار، نصيحة بالعودة للدين. طبعا هذه مزايدات جاهزة ولها جمهورها "الطيب".
عبدالرحمن العشماوي خير من يمثل شعراء "الأمة" لا تكاد تخلو قصيدة من قصائده من مفردة "الأمة" يقول:
"ما بين شيطانِ الهوى الأكبرِ
ومِحْوَرِ الشرّ الذي يفتري
تُشبّ نار البغي في أرضنا
تَفتكُ باليابس والأخضرِ"
أميركا وإيران تحالفوا على أرضنا العربية، وانتهكوا عرض الأمة العربية وهي لا تشعر لأن أبناءها "شُغِلوا بالخمرِ والمَيْسِرِ"!.
بعيدا عن الركاكة في التعبير هناك ركاكة في المعنى، وكأن محور الشر والشيطان الأكبر أقوياء لأنهم عاكفون في المساجد لا يعرفون خمرا ولا ميسرا.
ولأن هذا النوع من الكلام جاهز دائما فهو ينظم في لحظة الحدث وأحيانا يكاد يسبقه!.
يقول عبدالرحمن عن قصف غزة قبل أمس:
"يا غزة الجرح المعطر بالتقى
لا تيأسي من صحوة المليار"
المقصود بالمليار هنا هو الأمة الإسلامية.
وشعراء "الأمة" لا يكلفون أنفسهم السؤال عن ما هي الأمة الإسلامية وأين نجدها. هل مسلمو الصين وروسيا والهند وإندونيسيا وأميركا يدخلون ضمن الأمة أم لا؟
هل يتوقع العشماوي وأمثاله أن يطلب المسلمون الروس، مثلا، من فلاديمير بوتين الإذن لهم بالنفرة إلى غزة؟ أم سينفرون خفافا وثقالا بلا إذن؟ وكيف تكون استجابة الأمة الإسلامية في أميركا؟ وفي الخليج وأفريقيا؟.
هؤلاء الناظمون "يخمخمون" الكلام بلا تعب ومناهج النصوص في تعليمنا "تخمخم" منهم مثل هذه الأوهام الركيكة وتغرسها في أبنائنا.
إن هؤلاء يبيعوننا الأوهام والغفلة والتسطيح. لا وجود للأمة فيهم ولا وجود لهم في الأمة. الأمة وهْمٌ كمنظوماتهم.
في أي حلم لذيذ يعيش هؤلاء البكاؤون "الأمميون"؟ وفي أي فلك يسبحون؟.
إلا إذا كانوا يحلمون بنموذج لأمة عربية إسلامية واحدة ذات علم واحد وخليفة واحد وجيش واحد، فلا نعرف واقعا يشبه حلمهم سوى "الدولة الإسلامية" داعش سابقاً!.
"بالهنا والشفا"!.