"أزال عدد من المحتسبين، الأسبوع الماضي، شاشات عرض تلفزيونية وضعتها أمانة الطائف لأهالي وزوار مدينة الورد من المصطافين؛ لمتابعة الحدث الكبير "بطولة كأس العالم" التي تقام حاليا بالبرازيل؛ متعللين بأنها تسببت في وقوع اختلاط بين الشباب والفتيات، حيث أزال المحتسبون شاشة العرض في حديقة "العنود" وسط استغراب الحاضرين من الأجناس والأعمار كافة لإزالة الشاشة في ذروة إحدى المباريات".. "انتهى"
وفي مواقع التواصل الاجتماعي انتشرت الحملات المليونية، كما يسميها "دعاتها"، لمقاطعة قنوات "الإم بي سي"، بل إن هناك شيخا، كما يصفه أتباعه، يقول إن العمل في أوكار الدعارة أقل إثما من العمل في هذه القنوات، بل ويجزم أن الأموال التي تدفع للعاملين في هذه القنوات هي رواتب محرمة. "انتهى"
إنها هوى ورغبات أو قناعات أشخاص يتم فرضها باسم الدين!، وهي أيضا مجرد أهواء شخصية معتادة ومعروفة ترتدي ثياب التدين والفضيلة، لكن الغريب في أمر إزالة الشاشات أن من فعل ذلك هم أفراد عاديون متحمسون لأفكارهم الخاصة، التي جعلتهم يتجرؤون ويغيرون واقعا أنشأته جهة رسمية تابعة للدولة هي أمانة محافظة الطائف!، والغريب أن الأخيرة لم تبد حتى الآن أي موقف أو رد فعل تجاه ما حدث!.
الريبة نحو النساء والاشتباه في أعمال الجهات الأخرى ومطاردة مواطنين مسلمين مثلهم بالظنون والشبهات والتأويل تظل قرارا شخصيا لا دينيا ولا رسميا، فلا يمكن اعتبار صمت أمانة الطائف أن يكون ذلك معبرا عن وجهة نظر الدولة، فالدولة قامت على الإسلام كدين واضح لا يترفع عن الواقع، ولا يقوم على الظنون، وولي الأمر ـ بارك الله خطاه ـ لم يحد في خطواته الإصلاحية عن هذا الدين العظيم الذي يوصي بالمرأة خيرا، وضرورة اعتبار النساء شقائق الرجال، ويحض على الاجتماع ونبذ الفرقة، وترك كل مسلم ما لا يعنيه، وعدم تشكيك المسلم في نوايا وسلامة معتقدات أخيه المسلم، كما هي التوجيهات النبوية الشريفة وسيرة النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم، سيرة التعامل الحضاري الراقي القويم مع النساء والرجال.
إن حملات الفعل والقول من خلال بعض الرؤى التي تسمي نفسها "إسلامية" أو تزعم أنها كذلك، مستهدفة كل رؤية وسطية أو ممارسة معتدلة تحض على الفرح والاحتفال والاستمتاع بالحياة، هي حملة مكشوفة الأهداف ورخيصة الغايات مهما "زركشها" وزينها أصحابها ومن يقف خلفهم من أنصار الظلام، ومهما خلعوا عليها من أردية الفضيلة والطهر والأمانة.
ليس عداؤهم إلا لأشخاص يحملون عليهم بالكراهية والضغينة لأسباب ثقافية، مثلما هو عداؤهم القديم الجديد للعلم والمعرفة والبحث المنفتح على العصر والتفكير الحر؛ لأنه يحد من سلطتهم على المجتمع ويكشف كم ضللوا الناس فترة طويلة من الزمن.
هؤلاء الذين يهاجمون الإعلام اليوم، هم ذاتهم الذين هاجموا ونظموا حملاتهم المسعورة ضد كل مشروع إصلاحي وتنويري هدفه إخراج المجتمع من حالة العزلة والسكون إلى فضاءات التعدد والحركة، وهم ذاتهم الذين هاجموا شخصيات ثقافية وفكرية ووطنية بالطعن في نواياهم، والتشكيك في سلامة عقيدتهم، وكأنهم هم وحدهم المحددون لاتجاه الخلاص والنجاة من النار، وأن الجنة ورضا الرب لا يمران إلا من خلال وصاياهم ومباركتهم!؛ لأنهم يريدون المجتمع كل المجتمع وكل المؤسسات التي تتوجه إليه يريدون كل ذلك وكل شيء هنا وهناك يريدونه شيئا واحدا متشابها لا يخرج عن تصورهم وفكرتهم ورؤيتهم، ولو أمكنهم لقالوا إنهم يريدون كل العالم وفق ما يرونه ويحددونه، غافلين أو على الأدق متغافلين أن هذا ضد الفطرة الإنسانية وضد الحياة ككل، وضد حكمة الله من خلقه للناس والكون والحياة!،
بل وصل بهؤلاء الخفافيش أن تعرضوا "لأعراض" مثقفين ومفكرين وفنانين وصحفيين بل ووزراء بسقط الكلام وفاسق القول دون رادع أو حسيب.
لكنني فقط أتعجب لهؤلاء العشرات من "المغرَّر بهم"، الذين لا يصدقون خبرا فيستجيبون، بسرعة، ودون تفكير أو تأمل أو تدقيق أو تمحيص، لنداء "التجييش" المستخدِم لتلك الورقة السحرية "الدين"، وراحوا يسجلون إنكارهم على ما لا يعرفون وما لا يعلمون، ويتهمون كل من يخالفهم من مواطنين سعوديين مسلمين بالدعوة إلى التبرج والفجور والرذيلة ومحاربة الدين!.
شيء مؤلم أن تستمر "جماعة" بعينها، لا يمثلون كل المجتمع في فرض وصايتهم على الناس، بل يشوهون بلدنا ويجعلونه حالة للتندر والسخرية، لا بد من حل فقد سئمنا!.