في واشنطن هذه الأيام، تنافس فضيحة "سويتش جيت" تطورات العراق وسورية للسيطرة على الصفحات الأولى. فخلال شهر يونيو فقط، أصدرت شركة "جنرال موتورز" سبعة استدعاءات لسياراتها، أعلن آخرها يوم الجمعة الماضي "27 يونيو"، شملت نحو أربعة ملايين سيارة من طراز "بويك" و"كاديلاك" و"شفروليه"، بسبب عيوب مصنعية أغلبها يتعلق بمفتاح التشغيل "سويتش"، حيث تنطفئ السيارة فجأة في عرض الطريق، وتتوقف عجلة القيادة والكوابح عن العمل، مما تسبب في وفيات وإصابات كثيرة لم يتم حصرها حتى الآن. وقد أبقت هذه المشكلة – التي أصبحت تُعرف بفضيحة "سويتش جيت" - الشركة على الصفحات الأولى للجرائد منذ شهر فبراير 2014.

في شهر مايو 2014، فرضت "الهيئة الوطنية لسلامة الطرق" غرامة قيمتها "35" مليون دولار على "جنرال موتورز" بسبب عدم استدعاء تلك السيارات في الوقت المطلوب، على الرغم من معرفتها بوجود العيوب، وهي أعلى غرامة تستطيع الهيئة فرضها حسب القانون.

استدعت الشركة نحو "11" مليون سيارة منذ بداية 2014، وأثرت الفضيحة على أرباحها. ففي الربع الأول، استُدعيت سبعة ملايين سيارة، منها نحو "2.6" ملايين بسبب عيوب مفتاح التشغيل، وفي 24 أبريل قَدَّرتْ الشركة تكاليف إصلاحها بنحو "1.3" مليار دولار، منها "700" مليون لإصلاح مفاتيح التشغيل، مما قضى على أرباح الشركة في الربع الأول، ولم يُبقِ سوى "108" ملايين دولار.

وبعد الاستدعاءات الأخيرة، لا يُتوقّع أن تكون أرباح الربع الثاني أحسن حالاً.

ولا تشمل تلك الخسائر تعويضات القتلى والمصابين، حيث لم يجرِ تحديدها بدقة حتى الآن، وإن كان عدد القتلى قُدّر خلال الربع الأول من 2014 بـ "13" شخصاً. وأعلنت الشركة أن هناك "79" قضية مرفوعة في المحاكم ضدها بسبب هذه العيوب تبلغ التعويضات المطلوبة فيها "10" مليارات دولار. ومن المتوقع أن يزيد عدد القضايا بعد الاستدعاءات الأخيرة.

وبالطبع لم يتضح حتى الآن كم تسببت تلك العيوب بوفيات وإصابات خارج الولايات المتحدة.

ومن المؤكد أن الأزمة التي تواجهها "جنرال موتورز" تتجاوز أرباح هذا العام إلى مصير الشركة نفسها. فبالإضافة إلى تحقيق "الهيئة الوطنية لسلامة الطرق"، تُواجه الشركة استجوابات في الكونجرس، ووزارة العدل، و"هيئة الأسواق والأوراق المالية"، وعدداً كبيراً من الشكاوى في المحاكم. وأخطر ما في الأزمة أن الشركة قد عرفت بوجود مشاكل في مفتاح التشغيل ولكنها لم تخطر السلطات أو ملاك السيارات بها، واستمرت المشكلة نحو عشر سنوات.

وقد فصلت الشركة عدداً من صغار المسؤولين، اتهموا بالتستر على المشكلة، إلا أن البحث جارٍ لمعرفة متى بلغ كبار المسؤولين العلم بوجودها.

ولمعظم الأميركيين علاقة عاطفية بـ"جنرال موتورز"، أكبر شركة أميركية لصناعة السيارات. ولهذا يعدون تصرف الشركة في معالجة المشكلة خيانة للثقة التي تمتعت بها خلال عمرها الذي تجاوز مئة عام. وقد لا تتمكن الشركة من تجاوز هذه الأزمة، التي تأتي في أعقاب مشاكلها خلال الأزمة المالية، حين قاربت على الإفلاس واضطرت الحكومة إلى تأميمها لحمايتها من الانهيار.

وإن كان بقية عملاء الشركة مثلي فقد تفقدهم إلى الأبد. ففي مارس 2014، تخلصت من آخر سيارة لدي من إنتاج جنرال موتورز "ماركة كايلاك"، بعد أن فشلت الشركة في إصلاحها. ويتضح الآن أن المشكلة كانت في مفتاح التشغيل، ولكن الشركة ووكيلها لم يعترفا بالمشكلة، فضلاً عن إصلاحها. ففي وسط الطريق، كانت السيارة تنطفئ فجأة، وتتعطل عجلة القيادة والمكابح. وفي المرة الثانية التي حدث فيها ذلك، كنتُ على طريق الملك خالد متجهاً إلى المكتب، وفجأة انطفأت السيارة وتعطل كل شيء، ولم تقف السيارة إلا بعد استخدام كوابح الطوارئ وارتطامها بسيارة كانت أمامها. ولدى فحصها لدى الوكالة، لم يجدوا أي خلل، وأكدوا أن المشكلة لن تتكرر. ولكنها تكررت عدة مرات بعد ذلك.

وعادة يمكن تشغيل السيارة لاحقاً، بعد دقائق أو ساعات، ولكن في آخر مرة انطفأت فيها، لم يمكن إحياؤها بأي وسيلة. ولدى فحصها من قبل الوكالة هذه المرة، وبعد محاولات عديدة لم يتمكن مهندسوها من إحيائها أو معرفة سبب انطفاء السيارة الفجائي.

وبعد فشل الشركة في إصلاح السيارة اضطررتُ إلى التخلص منها، عازماً على عدم شراء سيارة أخرى من شركة لا تستطيع إصلاح سياراتها. وبذلك انتهت علاقة كانت في مجملها جيدة، استمرت "38" عاماً كنتُ أحرص خلالها على الاحتفاظ بسيارة أو سيارتين من صنع "جنرال موتورز". كانت البداية في مارس 1976، عندما كنتُ طالبا في الولايات المتحدة. اشتريت سيارة "كامارو" الرياضية، وكان أداؤها جيداً، في الجبال، والثلج والمطر، والشتاء والصيف، مما شجّعني على الاستمرار لعدة عقود في شراء سيارات جنرال موتورز. وكان مما جعل منتجاتها مرغوبة كثرة وكلائها، بحيث توجد في أي مدينة أميركية، مهما كان حجمها، عدة وكلاء، وتتوفر قطع الغيار ومراكز الصيانة في كل مكان.

وبعد عودتي إلى المملكة استمررت في استخدام سيارات "جنرال موتورز" على الرغم من تردي خدمات وكلائها. ولكن السكتات المفاجئة التي كانت تصيب الكاديلاك، ثم وفاتها دماغياً، وعدم قدرة الشركة – من خلال وكيلها – على تشخيص المشكلة، فضلاً عن حلها، أنهت علاقتي معها.

قامت وزارة التجارة والصناعة السعودية مؤخراً بجهود كبيرة مُقدّرة لمراقبة أداء وكلاء السيارات. وفي ضوء فضيحة "سويتش جيت" في الولايات المتحدة والتحقيقات التي أسفرت عن اكتشاف مشكلة "مفتاح التشغيل" وعيوب مصنعية أخرى في سيارات "جنرال موتورز"، واستدعاء نحو "11" مليون سيارة حتى الآن، فإن السؤال المطروح هو ماذا تم في هذا الشأن لدينا؟ خاصة أن الماركات المعنية "شفروليه، بويك، كاديلاك" من أكثر السيارات استخداماً لدينا. هل تم التحقيق مع وكلائها للتأكد من تواصلهم مع العملاء الذين اشتروا سيارات مشمولة في الاستدعاءات التي قامت بها الشركة الأم في أميركا؟ وكم من الإصابات أو الوفيات قد حدثت في المملكة بسبب تلك العيوب المصنعية؟