"أنا أو هذه الأشياء في البيت":
لم تكن المتحدثة "حرمي المصون"، بل كانت عاملتنا المنزلية، بالطبع بعد الترجمة من إنجليزية "مكسرة"، والتي ضاقت ذرعاً بكل تلك الأشياء التي لا تعرف اسمها ونطلق عليها الدروع!
كانت البداية في سنتي الثانية المتوسط، وذلك حينما كرّمت على مستوى المنطقة التعليمية، في مسابقة لا أتذكر تفاصيلها، لكنني أتذكر بوضوح أن الجائزة كانت طقم أكواب زجاجية رخيصة، ودرعاً خشبياً باسمي.. للمرة الأولى أرى اسمي مطبوعاً في شيء ذي قيمة، تلك الليلة لم أنم إلا والدرع بجانبي.. أتأمله قليلاً.. وأتحسس ملمسه المثير.. حتى قبل خروجي الصباحي للمدرسة فكرت للحظات أن آخذه معي، لولا أن أمي أقنعتني أن أولاد الحرام كثر، بالإضافة إلى كونه سيضيف ثقلاً كبيراً في شنطتي المدرسية.
همت بهذا الدرع، أنظفه كل يوم، مسحة خفيفة من الماء الصافي، ثم أدعكه بخرقة ناعمة، وهكذا بقي الدرع وكأنه جديد، رغم مرور عشرين عاماً على ليلتي الأولى معه.
بعد ذلك توالت الدروع من كل حدب وصوب، في المرحلة الثانوية حصلت على تسعة دروع متنوعة، وفي الجامعة لم أستطع أن أحصيها، فمنها الزجاجي ومنها المعدني، ولدي درع أجهل حتى الآن مادته التي صنع منها! المهم كنت أبذل الجهد وأجتهد في كل شيء ولا أحصل على أي شيء سوى الدروع، حتى فاضت بها غرفتي بمنزل أهلي، ثم نقلتها معي إلى منزلي، وهنا وزعتها على كافة الغرف والممرات، فعددها يتجاوز الثمانين درعاً بالتمام والكمال، ولا بد من مراعاة العدل في توزيعها على غرف الأبناء والبنات وحتى غرفة العاملة المنزلية، آه من هذه العاملة التي لا تدرك قيمة هذه الدروع، صحيح أنني لم أكسب من ورائها ريالاً واحداً، ولكن هي شواهد نجاحاتي.. صحيح أنها نجاحات لا يذكرها سواي - أنا وهذه الدروع -!.. آه.. تباًّ لكِ أيتها العاملة.