يقول لي صديقي الخبير في الشأن السياسي إنه يختلف معي في النتيجة التي وصلت إليها في مقالي السابق عن إيران وأهدافها التوسعية وصولا إلى تصدير ثورتها.

سألته: أين تختلف معي؟

قال لي: في مقالك إيحاءات بأن إيران تكسب من خلال إنتاجها سياسة الانتشار والتوسع العشوائي الذي يندفع وفق هاجس ديني/ طائفي، وأرى - يقول صديقي - إن هذا الانتشار إنما يتم قسرياً وفق منطق الترهيب الذي لا يتسق مع ضرورة الاحتكام للعقل والمنطق.

قلت لصديقي: إيران لا تهتم بالوسيلة الموصلة بغيتها لكنها في المحصلة والنتيجة نراها تكسب وتحقق أهدافها، لاحظت عند هذه النقطة أن وجه صديقي تغير بما يعكس اختلافه مع رؤيتي ولهذا قاطعني وهو يسأل:

فلنحتكم للنتيجة كما تقول: ها هي إيران تخسر في لبنان فقد انحسر مد المؤيدين المتعاطفين مع حزب الله الذي كان قد حقق شعبية معتبرة في لبنان والوطن العربي لكنه الآن يحصد الغضب والكراهية في لبنان والوطن العربي، وصار يُنظر إلى حزب الله باعتباره "عصا إيران" وأنه حزب طائفي بغيض.

أيضاً فإن إيران تخسر في سورية بعد أن كانت سورية ونظامها مسيرة وفق توجيهات إيران تحقيقا لمصالحها، فإنها اليوم لم تعد تملك تلك الميزة بعد اشتعال النار؛ حيث خرجت سورية من سلطة بشار ولم تعد بالتالي- سورية أو لبنان- تدار كما كان سابقاً من قبل إيران، بما يعني أن حصتها الكبرى في سورية ولبنان نقصت كثيراً وهي ماضية إلى أن تفقد حصتها كاملة.

ثم واصل صديقي حديثه مستفسراً:

قبل شهر من الآن من الذي كان يمسك المفاصل في العراق؟ ومن الذي يدبر الأمور ويسيّر الأحوال؟ ومن الذي يدير الحكم فيها؟ لا شك أنها إيران، لكن الآية انقلبت وصار العشائر والثوار وداعش والبشمركة يسيطرون على مقاليد الأمور في كثير من نواحي العراق، وربما أن المالكي -وهو ممثل إيران في العراق- لا يدير أبعد من المنطقة الخضراء في بغداد، وهذا في حد ذاته يعبر عن حالة من الفشل لمشروع إيران في العراق وبمصطلح رجال الأعمال فإن العراق شركة إيرانية خاسرة. ويستمر الخبير في سرد رؤيته ويقول:

كل المشاريع التي تتكئ على العاطفة: عرقية، أو دينية، أو قومية فإن مصيرها الفشل، وإيران في مشروعها الثوري تتكئ على تجنيد الشيعة العرب وكسب ولائهم ومحاولة اختراق بعض الخواصر العربية الضعيفة من خلال تثويرهم والترويج من خلال قنواتهم التلفزيونية المتعددة إلى أن هناك انتقاصا لحقوقهم وهضمها وغياب المساواة والعدل – وقد يكون بعض ما يقال حقاً- لكنهم يعيدون ذلك إلى أسباب محض طائفية، بينما قد تكون الأسباب مجرد ضعف في التخطيط، وربما تنجح خطة إيران في هذا الاستهداف فتتسبب في إحداث بعض القلق والارتجاج في بعض الدول لكن هذه الخطط لا تصنع مشاريع طويلة المدى ولا تثمر هذه الخطط عن دولة مستقرة أو دولة سوية في علاقاتها التكاملية مع الدول الأخرى.

إن مشروع تصدير الثورة الإيراني مماثل لمشروع عبدالناصر القومي الذي ارتهن في تنفيذه للقوة الجبرية مما تسبب في حرب اليمن وتفكك مشروع الجمهورية العربية المتحدة مع سورية وعلى العكس من التصور الناصري فقد ازدهرت النظم الملكية التي كان يعّيرها بالرجعية، وهذا تأكيد على أن الأنظمة الشمولية الفردية تنحسر مشاريعها التي لا تستجيب للواقع.

قلت لصديقي : كلامك يعجبني ويفتح نافذة الأمل عندي في أن تنهزم كل التكوينات التي تريد فرض رؤيتها وفق منظور عاطفي مستندة على الهاجس الطائفي أو العرقي، لكنني أستغرب من مواقف أميركا التي صارت تتخلى عن حلفائها بل وتنحاز – كما يظهر مؤخراً- مع إيران!!

قاطعني صديقي قائلا: سياسة أوباما لا شك أنها تعاني من الضعف والتردد بدليل فشل سياسات أميركا في أوروبا والشرق الأوسط لكن في المحصلة النهائية فإن قرار أميركا يطبخ في الكنيست الإسرائيلي ولأن إسرائيل لم تقرر بعد فإنك تجد أوباما مترددا ومحتارا بسبب هذا الغموض.

قلت له: نعم إسرائيل مؤثرة لكن أميركا ليست مسلوبة إلى هذا الحد.

قال لي: أميركا شركة ربحية تنحاز إلى مصادر النفع وفي الأفق القادم فإن أوباما سيرحل هو وإدارته وستعود الأمور كما كانت إلى مجاريها، وستدرك أميركا لاحقاً أنها أخطأت حين بالغت في خوفها من الأصوليين مما دفعها لوضع بيضها في سلة إيران، ولا شك عندي أنها أدركت أن بيضها صار يفقس ويفرخ العديد من الخلايا الإرهابية التي هي نتاج للشحن الطائفي.