تتناثر عقارات وأراض على بعد عشرات الأمتار من الحرم المكي، لا يعرف مالكوها الحقيقيون، ولذلك ظلت فارغة عبر عشرات السنين أوسكنها أشخاص من دون وجه حق.
وتقدر قيمة المتر الواحد لهذه الأراضي والعقارات بين 15 ألف ريال و550 ألف ريال للمتر الواحد حسب قربه من الحرم، وهو ما يعني أن قيمة الأرض التي لا تزيد مساحتها عن 100 متر مربع قد تزيد عن 550 مليون ريال، وهذا ما جعل تلك العقارات هدفا لمحتالين حاولوا تملكها بوثائق مزورة، إذ أكد مسؤول في لجنة نزع الملكيات أن أشخاصا تقدموا بوثائق وصكوك مزورة للحصول على تلك العقارات، لكن أمانة العاصمة المقدسة تنفي ذلك.
وبدأت تتكشف قضية "أملاك الغيّب" التي لا يعرف أصحابها مع التوسعة التي شهدها الحرم المكي الشريف خلال الأعوام الماضية، إذ نزعت ملكية عقارات مجاورة للحرم تبين أن بعضها مجهول الملكية.
ورثة دون إثبات
وتقطن عائلات منذ عشرات السنين في بعض البيوت مجهولة الملكية، ولم ينكشف أمرها إلا مع إجراء معاملة حكومية تتطلب إثبات ملكية العقار، ومن هؤلاء صالحة عبدالغفور التي سكنت منزلا في حي المسيال القريب من الحرم لمدة 7 عقود، واضطرت إلى مغادرته لعدم حيازتها ما يثبت ملكيتها للبيت.
وقالت صالحة لـ "الوطن": "كل ما أعلمه أن المنزل يعود إلى جدتي التي وهبته لأبي، ومعاناتنا بدأت حين أردنا تأجير المنزل خلال موسم الحج، إذ اكتشفنا أننا لا نملك وثائق تثبت ملكية المنزل عندما عملنا على استخراج تصريح لهذا الغرض، وبالتالي أعيد المنزل إلى بيت المال وبقينا فيه مستأجرين بأجر رمزي بدأ بـ 500 ريال ثم ارتفع إلى 2000 ريال ووصل إلى 10 آلاف ريال، ثم جرى إخراجنا من المنزل مع بداية مشاريع توسعة الحرم المكي"، مشيرة إلى أنها لا تزال تتلقى رسائل على هاتفها لسداد فواتير الكهرباء والماء المترتبة على ذلك المنزل.
ونظرا للقيمة العالية لهذه الأملاك، فإن أشخاصا يحاولون الاحتيال لتسجيل هذه البيوت بأسمائهم، إذ أكد كمال يوسف (مواطن من أهالي مكة) أن شخصاً عرض عليه استخراج أوراق تثبت ملكيته لمنزل مجهول الملكية في حي الشامية على أن يقاسمه مبلغ التعويض الذي ستدفعه له الدولة جراء توسعة الحرم، مشيراً إلى أنه رفض الفكرة رفضاً قاطعاً.
إلى ذلك، أكد عمدة حي الشبيكة حسين العميري أن أشخاصاً كثر يراجعونه سنوياً لمساعدتهم في الوصول إلى أملاكهم قرب الحرم.
وقال العميري لـ"الوطن": "منذ بداية مشروع توسعة الحرم المكي الشريف يراجعنا سنوياً بين 20 و30 شخصاً 95% منهم وافدون وغالبيتهم من الجنسية الإندونيسية، اشتروا تلك العقارات بوثائق وصكوك عثمانية تثبت تملكهم عقارات في أحياء حارة الباب، وجبل عمر، وميدان الشبيكة، وجبل الشراشف، ودحلة الرشد، والحفائر، وبعد مراجعة الجهات الحكومية يتبين أن العقار مسجل لدى إدارة "أملاك الغيّب" في وزارة المالية".
وأضاف العميري أن هؤلاء الوافدين يراجعون المحكمة لإثبات ملكيتهم لتلك العقارات، لكنهم يواجهون صعوبات في الإجراءات، ما يضطرهم إلى الاستعانة بمعقبين يوكلونهم هذا الأمر، فيتعرضون إلى النصب والاحتيال من هؤلاء المعقبين الذين يأخذون التعويض كاملاً".
العقارات "المجهولة"
ذكر عضو لجنة نزع الملكيات يوسف الأحمدي أن 90% من العقارات مجهولة الملكية تقع في المنطقة المركزية، وتتوزع البقية على معظم أحياء مكة القريبة من الحرم الشريف، مؤكداً أن أشخاصاً كثر تقدموا بوثائق وصكوك مزورة للحصول على تلك العقارات.
وأشار إلى أن سعر المتر المربع الواحد في المنطقة الأولى التي تلي الحرم المكي مباشرة يصل إلى 550 ألف ريال، تليها المنطقة الثانية ثم المنطقة الثالثة بعداً عن المسجد الحرام، وقد يصل فيها سعر المتر إلى 15 ألف ريال على أقل تقدير.
وعن ظهور "أملاك الغيّب"، أوضح الأحمدي لـ"الوطن"، أن العقار يكون ملكاً لوافد جاء خلال موسم حج وأوصى جاره بالاعتناء بالعقار إلى حين عودته، ثم غاب ذلك الوافد وانقطعت أخباره، فبقي العقار مهجوراً على مدى أعوام، لافتاً إلى أن آلية التعامل مع ذلك العقار تكون بتلقي بلاغ من شخص أو عمدة الحي عن ذلك العقار، ثم تعد وزارة المالية محضراً للعقار وتسجله وتوثقه بالصور.
وأكد أن عقارات نزعت ملكيتها خلال إنشاء الدائري الأول وتم تثمينها مرة أخرى، مضيفاً أنه استطاع إثبات ذلك خلال عمله في لجنة نزع الملكيات.
ودعا الأحمدي وزارة المالية إلى تكوين لجنة من وزارت المالية، والتجارة، والبلدية والقروية، والعدل، والشؤون الاجتماعية، لاستثمار وتنمية "أملاك الغيب"، وإعطاء من يعود من أولئك الغائبين قيمة العقار إضافة إلى الأرباح.
احتياطات أمنية
إلى ذلك، أشار الناطق الإعلامي في شرطة العاصمة المقدسة المقدم عبدالمحسن الميمان، إلى أن الشرطة ترفع تقارير عن العقارات مجهولة الملكية – في حال اكتشافها - إلى أمانة العاصمة المقدسة، كما أن لجنة متخصصة من الشرطة، والأمانة، والدفاع المدني، وشركة الكهرباء توصي بإجراء ما يلزم تجاه العقارات الآيلة للسقوط ، كأن يُهدم العقار إذا كان متهالكاً ويشكل خطورة على المارة، أو يُرفع به لوزارة المالية إلى حين ظهور مالك له.
ولفت إلى أن العقارات المهجورة داخل الأحياء السكنية تشكل خطرا كبيرا وقد ترتكب فيها جنايات، ولذلك يتوجب تأمينها، مضيفاً أن البلاغات عن تلك العقارات ترد إلى مراكز الشرط عن طريق عمد الأحياء أو المواطنين من أهالي الحي، وترفع الشرطة عن تلك المواقع إلى أمانة العاصمة المقدسة أولاً بأول، وفي حال عرف للعقار مالك يتم إلزامه بتأمين الموقع، أو تسويره إذا كان أرضا، وإذا رفض يتم إحضاره بالقوة الجبرية لإلزامه بذلك.
تجاذب حكومي
من جانبه أكد أمين العاصمة المقدسة الدكتور أسامة البار، رصد عقارات مجهولة الملكية خلال مشروع توسعة الساحات الشمالية للحرم المكي، نافيا تقدم أي شخص بوثائق أو صكوك مزورة بغية الحصول على تلك العقارات من دون وجه حق.
وقال البار لـ"الوطن": "الأمانة ليس لديها حصر لأملاك الغيّب في مكة المكرمة، إذ إن أي عقارات لا يوجد لها مالك، يتم الاحتفاظ بوثائقها التي تشمل صورة العقار وخريطة له، في إدارة أملاك الغيب بوزارة المالية حتى ظهور مالكها".
وأضاف أن عقارات مجهولة الملكية ظهرت خلال مشروع توسعة الساحات الشمالية للحرم المكي، وعملت لجنة من وزارة الشؤون البلدية والقروية ممثلة في أمانة العاصمة المقدسة، ووزارة المالية ممثلة في أملاك الغيب، ووزارة الداخلية ممثلة في إمارة منطقة مكة المكرمة، على تطبيق الإجراءات النظامية بحقها.
ونفى البار تقدم أي شخص بوثائق أو صكوك مزورة بغية الحصول على تلك العقارات من دون وجه حق، مشيرا إلى وجود لجنة شرعية في "الأمانة" تتولى فحص الملكيات والوثائق، ولدى اللجنة مندوبون من وزارة العدل يدققون الوثائق الشرعية التي تقدم للتملك ويتم الرجوع فيها إلى أصل المستندات وإلى السجلات الصحيحة الموجودة في المحكمة، وبالتالي فإن أي وثائق من دون سجلات أساسية في المحكمة لا يعترف بها، الأمر الذي حال دون ظهور أي وثائق أو صكوك مزورة من قبل أي متقدم لأملاك الغيب.
واتصلت "الوطن" مراراً بمسؤولين في وزارة المالـية، وأرسلت أسئلة عبر الفاكس إلى الإدارة المعنية لمعرفـة آليـة التعامل مع "أملاك الغـيب"، لكن لم يصلها رد.