لن أتكلم عن هذا الشهر الفضيل إلا بما يدركه معظمنا من خلال معايشتنا له كمسلمين، فهو شهر يحمل في طياته رحمة تكتسح نفوس الصائمين بشكل يلاحظه كل صائم مع ما يعتري بعضنا من العطش والجوع.

وقد حاولت متابعة وتحليل أسباب هذه السكينة التي تكتسي نفوس الصائمين في هذا الشهر المبارك، والتي لا تكون بهذا التركيز عند الصائمين في غيره فلم أجد إلا أن الروحانية فيه تزداد وتزدان ولله الحمد، مع أن هناك من لا يتورع عن تحويله إلى شهر للهو والتسلية ولو بمحرم.

لكن الذي لم أفهمه هو كيف تسول نفس بعض القائمين على القنوات الفضائية وغيرها بث برامج ومسلسلات تحمل ما يخدش الحياء، تبث ما هو ليس محرما في ديننا الإسلامي فحسب، بل هو محرم في اليهودية والمسيحية على السواء، وكيف لهؤلاء تضخيم هذا الحرام؟.. فكل ما قد يخطر للنفوس الضعيفة يبث وبشكل مكثف ومقزز في هذا الشهر الفضيل.. كما أعجب من أن هذا البث سرعان ما يضعف بشكل كبير مع انتهاء هذا الشهر.

أفهم أن هذا التوجه يظهر من قنوات غير إسلامية أو التي يديرها غير مسلمين.. ولكن الذي يؤلمني هو أن بعض هذه القنوات مملوكة لمسلمين يدركون قداسة هذا الشهر وأهميته بالنسبة لأهله، والذي يؤلمني هو أنهم مكنوا غيرهم من إدارة هذه القنوات ودون أي شروط.. حتى وجوب احترام شعائر الإسلام وقداسة هذا الشهر الكريم. المقزز أنهم لا يتورعون عن إشاعة الفاحشة، وتشويه مجتمعنا، فينسبون إلينا ما ليس فينا مظهرين الفسق والفجور وكأنه ظاهرة ملاصقة لنا.

إن قيمة هذا الشهر ليس في مغفرة الذنوب فقط - وهو أمر عظيم- لا حرمنا الله من مغفرته سبحانه.. بركة هذا الشهر تشمل حياتنا الدنيا وآخرتنا، ونحن بحاجة لمثله، خاصة أننا في زمن كثرت فيه الفتن، فأرواحنا عطشى إلى طاعة الله ومغفرته، وجرعة ما نناله في هذا الشهر من رحمة الله ومغفرته - لو أخلصنا فيه العبادة- قد تنجينا بإذن الله من الغم والهم والضيق.

لقد أصبحنا في زمن سمته الأساسية القلق سواء كنا ناجحين أو ما دون ذلك، فالناجح خائف على نجاحه من الزوال، وغيره قلق من عدم نجاحه وما بينهما قلق، دون سبب مقنع، نحن بحاجة إلى القرب ممن هو قادر على صنع المعجزات، بحاجة إلى حمايته ورعايته ومغفرته وعفوه وعافيته، وسواء كنا واقفين على القمة أو كنا ساكنين في السفح، فنحن قلقون وسنبقى كذلك.

في هذا الشهر يشعر المسلم المقبل على الله - وعلى الأغلب- أنه في أمن وأمان، فلم لا نوليه ما يستحقه من التوقير والإجلال ونرفض كل ما لا يتماشى مع مكانته عند الله سبحانه وعند عبادة المسلمين.

وفي هذا المقام يجدر بي التوقف عند مضامين البيان الذي أصدرته مؤخرا وزارة الداخلية في بلادنا - المملكة العربية السعودية- والذي جاء فيه : (لا يخفى على الجميع، أن هذا الشهر الكريم كان ومازال منذ أن فرض الله صيامه على المسلمين محل عنايتهم وموضع اهتمامهم، ولما كان المظهر السائد للصيام في هذا الشهر هو الامتناع عن الأكل والشرب نهاراً لدى المسلمين، فإن مما يؤذي مشاعرهم الخروج على هذا المظهر ولو كان ذلك ممن لا يدين بالإسلام.

لذا فإن على المقيمين في هذه البلاد من غير المسلمين المحافظة على احترام مشاعر المسلمين بعدم المجاهرة بالأكل والشرب أو التدخين في الأماكن العامة، وأماكن العمل، ولا يعفيهم ذلك كونهم غير مسلمين، وذلك تمشياً مع شعائر الدين الإسلامي ومراعاة لمشاعر المسلمين في هذه البلاد الطيبة.

كما أن عقود العمل توجب المحافظة على قدسية شعائر الإسلام والتقيد بأنظمة البلاد ولأهمية وجوب احترام الجميع لمظاهر الصيام في هذا الشهر المبارك، لذا فإن وزارة الداخلية تأمل من الجميع الالتزام بمقتضاه، ومن يخالف ذلك فإن السلطات المسؤولة ستتخذ بحقه الإجراءات اللازمة، من إنهاء العمل، وإبعاده عن المملكة..). لقد كان هذا البيان مؤكدا لقداسة هذا الشهر، ولوجوب احترام غير المسلمين المتواجدين بيننا لشعيرة الصيام، وعلى أن من يخالف ذلك سيغادر البلاد عاجلا غير آجل.

ومن هذا المنطلق أتمنى على من يملك الحق في منع بث البرامج التي تقدح في ديننا وتخدش الحياء إيقافها وتغريم أصحابها وتغريم القنوات التي تبثها، كما أتمنى تشجيع القطاع العام لغيرها من البرامج وتكثيف العناية بما ينتج للقنوات الوطنية، مع تشديد رقابة وزارة الداخليه لما يبث من خلالها.. أما الشركات التي تبث إعلاناتها التي صورت بما يتناسب والتوجه العام لسياسة تلك القنوات في هذا الشهر الفضيل.. الشركات التي تدفع مئات الألوف لإظهار إعلاناتها أوقات الذروة أو أثناء بث البرامج الدينية أو الثقافية لتؤذي المتابع رغما عنه.. على أمثال هذه الشركات مراجعة أنفسها والتوقف عن هذه السياسة، فهي تسهم بشكل مباشر في ازدياد هذه الحالة المزرية التي نمر بها في هذا الشهر الفضيل.. أما نحن فيفترض فينا كمتابعين مقاطعة كل ما يسيء إلى هذا الشهر بشكل خاص وإلى كل ما يسيء ديننا بشكل عام، علينا أن نتعامل معه كما يليق به، أعاننا الله وإياكم على صيامه وقيامه وصالح الأعمال، إنه ولي ذلك والقادر عليه.