فقد العالم الإسلامي فجر يوم الثلاثاء الماضي قامة عالية، وقيمة رفيعة؛ هو فضيلة العالم الشيخ إبراهيم محمود جوب الذي يعد أحد أبرز الشخصيات العلمية والدينية في جمهورية السنغال.. الفقيد فاجأته وعكة طبية وهو في إيطاليا ينظم ندوات علمية للجاليات الإسلامية هناك، فنقل إلى المملكة المغربية، وأثناء الرعاية الطبية عاجله الأجل المحتوم في الرباط، عن عمر يناهز الثانية والثمانين عاما.. الشيخ إبراهيم اشتهر بخطابته وتمكنه من اللغة العربية، بالإضافة إلى اتساع علمه ومعرفته، ويعد من أبرز التلامذة المقربين من الحاج الشيخ إبراهيم نياس العالم المعروف في المغرب العربي، والقارة الأفريقية، وقد تعود على المشاركة في الندوات العلمية في كل دول العالم، ومنها ندوات واجتماعات رابطة العالم الإسلامي.

عرفت العالم والعلَم الراحل في المجلس العلمي لسيدي الجد السيد حسن فدعق ـ رحمهما الله ـ بمكة المكرمة، وكان يأسرني جمال هندامه، وطيب معشره، وحلو مفرداته، ولصغر سني لم أكن أفقه كل ما يقوله، ولكن كانت تشدني طريقته في الارتجال، وكان إلقاؤه بصوته الأجش يأسر القلب، وطريقة ربطه للعبارات تجذب العيون والآذان، وعن حركات يديه حين كان يلقي غرر الشعر، ودرر الأبيات حدث ولا حرج ـ كما يقال ـ، ولم، ولا أستغرب وأنا أسمع أن المقربين لقبوه بأخطب المعاصرين. جددت اللقاء مع الشيخ إبراهيم بزيارته قبل أربع سنوات في داره بحي (مرموز) في داكار، أثناء انعقاد مؤتمر (علماء الأمة)، الذي رعاه خادم الحرمين ـ حفظه الله ـ، واستمر التواصل حتى قبل ثلاثة أشهر، وفي كل مرة يسأل عن تفاصيل التفاصيل عن مكة وأهلها.. الراحل الكبير له اطلاع واسع، وثقافة شاملة مكنته من القيام بأعمال جليلة في مجال التثقيف والدعوة إلى الله بالحسنى، وكنت أنتظر قدومه لمكة لأجلس وأنهل من بيانه العذب، وتطويعه الجميل للمفردات، يشاركني في ذلك من أعرف، وقد تميز بسعة المعرفة، والسماحة، والوسطية، والقيام بالدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، والمساهمة في الأنشطة الفكرية المختلفة، ووظف جل حياته دفاعا عن مصالح العالم الإسلامي الدينية والحضارية، وكان محط تقدير واحترام كل من لاقاه. أصحاب الشأن يعرفون مواقف الشيخ إبراهيم النبيلة، وخدمته الدؤوبة لتمتين الروابط الأخوية بين الناس، وقد فقد المهتمون برحيله فقيها ورعا، وإماما قدوة، كرس حياته لنشر تعاليم الإسلام السمحة وخدمة الإسلام والمسلمين في أفريقيا والعالم العربي وأوروبا، وبكل كامل التقدير يستحضر الجميع ما تحلى به الفقيد الكبير من قيم إسلامية، وما كان يشيعه منها بطريقة الاحترام والمحبة والوفاء.

من كلمات الشيخ إبراهيم جوب الشهيرة قوله في إحدى تسجيلاته القديمة التي أحتفظ بها: "الإسلام دين الله الخالد، وليس للأقطار قطرا قطرًا دينٌ خاص بهم خارجَ دين الله الخاتم، الذي نتعلم أحكامه وحقائقه في الكتاب والسنة، ولا وجود لدين خارج نطاق الكتاب والسنة، والذي بقي هو أن نرى أثرهما عند المسلمين في شرقٍ وغرب".. أتضرع إلى الله تعالى في هذه الأيام الرمضانية المباركة أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته وغفرانه، وأن يسكنه فسيح جنانه، ويجزل له ثوابه، ويتقبله في عباده المتقين، وأن يغدق عليه من شآبيب عفوه وغفرانه، ويلهم ذويه وعارفي فضله الصبر والسلوان، كما أسأله جل جلاله أن يجعل شهرنا هذا مباركا على الجميع، وأن يعيننا فيه على ما يحبه ويرضاه.