كل منا ينشد التطور والحضارة، ويتحدث بذلك أمام الآخرين، لكن في ساعة الجد، أو عند التطبيق العملي نرى عكس ذلك.

نتكلم عن الشجاعة، ونحن أكثر جبناً، ونشتم الفساد والمفسدين، لكننا لا نرى أنفسنا، ونتحدث عن الإخلاص في أداء العمل، ونحن أول من يتخلص منه، ونقول عن الغش كلاماً كثيراً، وفي الوقت نفسه نفسح له الطريق، وندعو إلى ضرورة الإبداع ومع الأسف نشجع الشعوذة، ونتجاوب مع الخرافة، وننادي بحماية البيئة والصحة، وتجدنا في صفوف من يعكر صفوها ونقاءها وممن ينتهكون قواعدها.

ونحث الآخرين على احترام اللوائح والقوانين، وبدون حياء نحن من يخرق السفينة، ونعظ الناس بالابتعاد عن الظلم بكل صوره وأشكاله، ونمارسه بلا خجل، ونطالب بالحفاظ على المال العام، وبلا رقيب نقتل القتيل ونمشي في جنازته، ونصم الآذان زعيقاً عن ضرورة قيام المسؤول بواجبه في أي موقع كان، وعندما نتولى المسؤولية ننسى كل ذلك، ونصبح بلا أدنى مسؤولية.

أية حضارة هذه التي ننشدها، والقيم التي ترتكز عليها هذه الحضارة غائبة عن ساحات الفعل؟

هل من الحضارة أن ترى مدرسة، حمام مسجد، والأدهى من ذلك كلية ممتلئة بالكتابة على الجدران وبشتى أنواع العبارات والأقلام، ناهيك عما يحدث في البيت والشارع والحديقة.

أية حضارة نتحدث عنها وأول سؤال يواجهك في أول محاضرة لطلبتك «كيف سيكون الامتحان»؟ ويتبعه سؤال آخر «متى ستنزل الملزمة»؟

أي قيم وأية حضارة وكثير من طلبة الجامعة لا يحسنون القراءة ولا يجيدون الكتابة، وهم المعول عليهم بصناعة هذه الحضارة استناداً إلى ما يحملون من قيم إيجابية، وكيف سيكون الجيل القادم إذا كان معلموه بهذه الصورة؟

وأخيراً لست متشائماً، لكن الحضارة لا تأتي من الغير، وإنما منبعها الذات أولاً، والعلم هو الأساس، والتعليم هو السبيل، وإن كنا نعتقد غير ذلك فإنما نغالط أنفسنا، وإذا أصيب القوم في أخلاقهم فأقم عليهم مأتماً وعويلاً، وعلى نفسها جنت براقش.