سؤال يمر بي كثيرا ولا أجد له إجابة واضحة.. ما الذي جعل أكثر برامج وحوارات "الوعاظ" تتحول إلى "تميلح" واستعراض، وتباه بمقدار الثروة، ومدى فكاهيتهم المصطنعة، وعدد المتابعين في وسائل التواصل الاجتماعي، حتى أصبحوا يتحدثون عن كل شيء في برامجهم باستثناء الخطاب الممازج بين النصيحة والدين والعقل، وأظن أن ذلك لأنهم شغلوا في هذه البرامج بما هو أبعد وأقل من هدفها السامي، وكأنك إذا أردت أن تكون واعظا في إحدى القنوات ليس عليك إلا أن تجيد اختيار نوعية "زري البشت" وكمية "المكياج" في محاولة لإيهام المشاهد أن ثمة شيخا جليلا يجلس أمامه فيعطيه من النفحات الإيمانية التي عادة ما تكون ملغومة "بأيديولوجيا" وأفكار معينة يرفضها الدين الذي خرج كي يمثله على الشاشة!

الأدهى والأمر أن الواعظ في برامجه يتناسى نفسه وسبب خروجه فتجده مرة يلبس ثوب المفتي الذي هو بعيد كل البعد عنه، ومرة ثوب خبير سياسي، ومرة ثوب "طبيب" نفساني، حتى ضاع ثوبه الوعظي الذي له دوره المهم في المجتمع.

ما يضحكني أن المشاهد أصبح سطحيا كواعظه الذي يتابعه، فينسى أنه واعظ ويقوم بالاتصال ليستفتيه، ومرة ليـسأله في علم المواريث، ومرة في علم الأجنة، ومرة عن الخطر الإيراني في المنطقة، ومرة تتصل صاحبة صوت دافئ وتسأله في إلماحة عن مدى وسامته ومدى افتتانها به.. فتهمس: "تتزوجني يا شيخ"؟ فيبتسم الشيخ ويضحك ونبتسم معه لنشاهد مدى نباهته وكيف سيرد على "المفتتنة"!

أخيرا اليوم كلما نظرت إلى بعض الوعاظ على الشاشة تذكرت ناصر القصبي بلحيته في "طاش" إلا أنهم تجاوزوه تمثيلا.