أميركا تدق طبول الحرب على داعش، وتبدأ الاستعدادات بإرسال أربعين خبيرا عسكريا أميركيا إلى بغداد. الحكومة العراقية بقيادة المهرج المنتهية ولايته نوري المالكي تتوسل أميركا أن تتدخل. زيارات مكوكية لمسؤولين عراقيين من أجل إيقاف الزحف الداعشي على بغداد؟ فجأة أصبحت دولة العراق والشام الإسلامية كيانا قويا يستطيع أن يصبح قوة ضاربة من حلب إلى الموصل!
ما هي "داعش" التي أصبحت خلال فترة وجيزة من الزمن ملء السمع والبصر في العراق، ومن ثم سورية في مرحلة لاحقة. القاعدة موجودة في العراق منذ بداية التسعينات الميلادية؛ لكون الحكومة العراقية كانت في صراع مع أميركا ومجموعة كبيرة من دول العالم نتيجة غزو الكويت واشتباه وجود برنامج نووي في بغداد.
البعض يقول إن داعش مكونة من خلايا البعث النائمة التي تنشط في كل فترة، وإن القائد الفعلي لداعش هو عزت الدوري وبعض ضباط الجيش البعثيين. الأميركان كانوا قد اتهموا النظام العراقي بمساعدة القاعدة في هجمات سبتمبر في واشنطن ونيويورك، والبعض يقول إن داعش هي عبارة عن القادة الجدد للقاعدة من الانفصاليين الشباب. ويقال إن جبهة النصرة هي الفكر التقليدي السلفي للقاعدة، وإن داعش هي القاعدة الأقرب لإيران.
المراقب للأحداث يصل لنتيجة حتمية، هي أن داعش هذه ـ أيا كانت قياداتها ـ فمن المؤكد أنها ميليشيا مسلحة تعمل لصالح إيران وإسرائيل. عندما تقاتل داعش الثوار السوريين الأحرار والثوار العراقيين الحقيقيين، فهذا يؤكد عملها لخدمة النظام الإيراني. تخدم توجهات إسرائيل ومصالحها أيضا حين تدعم النظام وتقاتل الثوار لحرص إسرائيل على بقاء نظام الأسد. النتيجة أن "الماكينة" الإعلامية الأميركية الضخمة بدأت العزف على أوتار داعش وتصويرها على أنها بعبع المنطقة الذي قدم ليكتسح كل شيء.
جوانب كثيرة تختص بهذا التنظيم ليس هنا مجال ذكرها والحديث عنها رغم أهميتها، إلا أن المهم هو الحديث عن وقود داعش من أحبتي وأبناء وطني. طالعنا "يوتيوب" ـ قبل فترة ـ بشريط مصور وزعته العقول الظلامية لمحاكمة أقل ما يقال عنها إنها مضحكة مبكية. الضحك الممزوج بالدمعة وطعم الألم هو الشعور الذي يعتري من شاهده ومن سيشاهد تلك المقاطع في "يوتيوب" أو مواقع المتشددين.
مجموعة من حديثي السن الذين غيب عقولهم الشيطان يقفون بجانب بعضهم وقد أشهروا الأسلحة الرشاشة ومسدس يد نحو شابين مكبلين بالقيود. يتحدث قائد المجموعة المسيطرة عن حكم الله في الخونة وجزاء الذين يقاتلون المجاهدين ويعيقون الجهاد ويتآمرون على الدين بأن هذا جزاءهم. تنطلق الرصاصة مخترقة جمجمة الأول ثم الرصاصة الثانية للأسير الآخر فيسقط الاثنان على الأرض مضرجين بالدماء، وذلك في أثناء حديث القاتل عن سيرة المقتولين واسميهما ومنطقتيهما وعن طريق من دخلوا إلى سورية.
المقتولان شابان سعوديان في عمر الزهور، تم اختطافهما من جامعتيهما وأحضان أهليهما، والقتلة سعوديون أيضا في عمر الزهور كما يبدو من المقطع. السعودي الداعشي يقتل السعودي التابع لجبهة النصرة (ذراع القاعدة في سورية). تسمع السعودي الداعشي يتحدث عن السعودي القاعدي وكيف أن الله مكن منه ونصر الأمة بقتله؟! يا إلهي ماذا يحدث؟! رباه ما هذا؟ الشاب السعودي يقاتل ويقتل أخاه الشاب السعودي الآخر على أراضي دولة أجنبية في عبث يطرح آلاف الأسئلة.. لماذا ولصالح من يقتل أبناء الوطن بعضهم بعضا.
لنعد قليلا إلى الوراء، ولنتخيل كيف بدأ هذا العبث وهذا الجنون نتيجة انعكاس المفاهيم. داعشيو الرياض، أو المهيجون لمشاعر الفتية والشباب المتحمس، هم السبب أو بعض من يسمون زورا بالدعاة، أو بهتانا بالمشايخ، ممن يدعمون الفكر الإرهابي المتطرف هم السبب. حين يسرقونهم في المخيمات ويفخخون عقولهم ويوهمونهم أن الحور العين تنتظر هذا الشاب الغض وفي يدها كأس الغرام، وأنه بمجرد أن يفجر نفسه ويذهب للعالم الآخر ستلتقيه بالأحضان وبالعطور والورود، بالتأكيد سنرى هذه النتيجة. داعشي يقتل قاعدي بمساعدة "إخونجي" والثلاثة سعوديون من شبابنا الذين يفترض أن يقودوا نهضة الوطن.
يجب أن نواجه الخطر، ويفترض ألا نضع رؤوسنا في الرمال ونتغاضى عما يحدث. في رأيي أن يتداعى أهل الرأي وعلماء الاجتماع والنفس وعلماء الدين الربانيين إلى حملة وطنية توعوية حقيقية، أكثر مما يحدث حاليا في برنامج تلفزيوني هنا أو مقال صحيفة هناك، فالأمر جلل والخطر عظيم.
أخي وابن عمي وصديقي ابن الوطن الكريم، أيها الشاب السعودي النبيه: أعلم إخلاصك لنصرة دينك لكن دعاة الفتنة أضلوك؛ فلا راية معروفة تقاتل تحتها، ولا ولي أمر، بل ظلمات بعضها فوق بعض. جاهد برعاية والديك وخدمة مجتمعك ولتتعلم صناعة الحياة وتبتعد عن صناع الموت.
أيها العقلاء.. أيها المستنيرون.. أيها الفعاليات المجتمعية: إن الشباب السعودي في خطر، فلنتحرك في رحلة التوعية، فداعشيو الرياض مايزالون هنا، يمارسون التهييج والتغرير بأبنائنا والوقت يمر. لا نريد أن نخسر مزيدا من أبنائنا في حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل. اختلقتها منظمات صنعتها أميركا من أجل محاربة العالم . لدينا منجزات نريد المحافظة عليها، ووطن ينمو ويزدهر فلنحمه من التطرف. "وطن لا نحميه لا نستحق العيش فيه".