قبل حوالي عام من الآن أعلنت الجامعة العربية عن إنشاء النادي العلمي العربي الذي سيحتضن المخترعين والمخترعات العربية الضائعة، التي سجل موقع WIPO العالمي عشرات الآلاف منها خلال 15 عاما الماضية، ولم يستفد منها الوطن العربي ولا يوجد في أي دولة عربية جهة فاعلة تحتضن تلك المخترعات والمخترعين حتى تصل مخترعاتهم إلى شركات منتجة تدعم اقتصاده تماماً كما هو موجود في دول العالم، وقلنا أثناء إعلان الجامعة العربية عن إنشاء ذلك النادي "برافو"، إلا أنه بعد سنة لم نسمع عن أي نشاط لهذا النادي وكأنه فقط من قبيل التلميع وذر الرماد في العيون.. ففي رأيي أن هذا أهم مشروع ريادي للجامعة العربية وأنفس وأغلى هدية تقدمها الجامعة العربية للعرب.. ويمكن أن نقوم بتأليف مجلدات للفائدة العظيمة التي تقدمها من خلال هذا العمل النوعي العصري التقني الذي سيحلق بالدول العربية وباقتصادياتها ويحولها إلى العالم الأول.. حيث سيتم استثمار العقول العربية واستثمار المخترعات العربية الضائعة.. فهناك عشرات الآلاف من المخترعات في الدول العربية حسب تقرير الـWIPO لم تستثمر منذ عام 1997 بينما اختراعات العالم تتحول مباشرة إلى شركات وإلى بضائع وتسهم في التطوير، وقفزت بتلك الدول إلى دول متقدمة ذات ميزان اقتصادي إيجابي.. صادراته تفوق وارداته.. وقد قامت منظمة المخترعين هذا العام بنشر إحصائية تتضمن إنتاج العالم من المخترعات من عام 1997 إلى عام 2011.. كان نصيب العالم العربي منها أكثر من 83 ألف اختراع .. والعالم المتقدم بنى تقدمه ووصوله إلى مرتبة العالم الأول بفضل هذه المخترعات التي يحولها بشكل عاجل إلى صناعات وشركات منتجة تحقق ما يأتي:
• توظيف مزيد من المواطنين في هذه الشركات والمصانع الجديدة.
• تعديل الميزان الاقتصادي لتكون نسبة الصادرات أعلى من نسبة الواردات، وهذا مؤشر صادق ودقيق لقوة أي اقتصاد..
والجامعة العربية بإطلاقها النادي العلمي العربي للمخترعين ستحقق الأهداف التي كنا ننتظرها، ومنها تحقيق أعلى قدر ممكن من استثمار المخترعات العربية وتحويلها إلى شركات منتجة، بعد أن كانت ضائعة وأصحابها محبطون رغم مرور أكثر من عقد على بداياتها.. والأمر الآخر الذي نأمل من الجامعة العربية أن تعمله بإطلاقها النادي العلمي العربي هو أن تعمل على وجود هيئة أو منظمة أو جهة تعمل على المساعدة في تسجيل الاختراعات الجديدة والمساعدة على الاحتفاء بها أيضا وتحويلها إلى منتجات.. الوضع القائم الآن هو أننا على مدى سنوات نرى كثيرا من هؤلاء المخترعين في طول البلاد العربية وعرضها.. ويسجلون براءات اختراعات خارجية كثيرة.. واحتفت بهم المراكز العلمية في طول الأرض وعرضها من ماليزيا إلى أميركا مروراً بالمراكز العلمية في أوروبا.. وحصلوا من هذه المراكز على اعترافات وجوائز ووصل عدد مخترعاتنا في 10 سنوات الماضية عشرات الآلاف، ونسأل هنا سؤالاً كبيراً: أين هذه المخترعات.. ولماذا لا يتم التعامل معها مثل ما يتم التعامل مع مثيلاتها في العالم الأول.. ولماذا لا توجد لدينا هيئة تحول المخترعات إلى منتجات كمثيلاتها؟.. في البلاد المتحضرة والمتقدمة.. لا يمضي شهر من تسجيل براءة الاختراع حتى يتحول ذلك الاختراع إلى شركة تسهم في حل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية.. والتفصيلات في ذلك كثيرة.. وبما أننا رغم ما كتبناه هنا من مرات لم نجد الرد أو التجاوب فسأحاول الاجتهاد لتحديد المشكلة.. فالمشكلة أن المخترع عندما يريد استثمار اختراعه وتحويله إلى شركة منتجة عليه أن يتعامل مع عدة وزارات بما تحمله من بيروقراطية ثقيلة، ومنها وزارة المالية للحصول على المال ووزارة التجارة لتحديد مواصفات المنتج ووزارة البلديات للحصول على الأرض. وتوضع العراقيل تلو العراقيل أو على أقل تقدير تطول الإجراءات ويضيق نفس أصحاب الطلبات.. مع العلم أنه من المفترض ألا تكون مهمة تحويل المخترعات إلى بضائع من مسؤولية المخترع فليس هذا دوره، وقد اقترحت سابقا أن تنشأ "هيئة المخترعين" التي تحتضن هؤلاء المبدعين.
أما الآن فنقول للجامعة العربية إن عدونا الأول هو الوقت. ونحن لم نر جهةً محددة ترعى هؤلاء الشباب المتفوقين، الذين سجلوا براءات اختراع عديدة على مستوى الوطن لتحويل تلك الاختراعات إلى شركات منتجة. نقدر لتلك الجهات التي رعت تلك المواهب حتى أوصلتها إلى هذا المستوى لكن ليس من مهام تلك الجهات إكمال المسيرة. ولهذا قد يكون من الواجب تأسيس هيئة ذات شخصية اعتبارية مستقلة بكوادرها وميزانياتها لتحويل اختراعات مواطنينا إلى شركات منتجة حتى لا ننزلق في نمطية الروتين وسرد مبررات غياب الدعم والتمويل أو أي مبررات أخرى تضع مثل هذه الإنجازات على الرفوف وتكوِّم الغبار.. ونحن لا نريد ذلك.. نريد هيئة مستقلة تعد خططاً وسياسات تتجاوز الروتين وتتجاوز التبريرات لنرى مصانع قد قامت وشركات قد أسست فيجني العالم العربي ثمار هذه الاختراعات في وقت قياسي وتتحول هذه الابتكارات إلى صناعات تحول بلادنا إلى دولة متعددة مصادر الدخل غير القابلة للنضوب، واقتصاد المعرفة غير قابل للنضوب.
والخطوات المتحققة في وصول موهوبينا إلى هذه النتائج الباهرة هي خطوات على الطريق الصحيح.. ولننس ما قامت به الجامعة العربية.