في بعض مؤسساتنا المدنية خدمية كانت أم ثقافية – ولا أعلم من كرّس لهذا الاتجاه - أن تناصب العداء كل الأقلام والأصوات التي تمارس حقها في النقد المباشر لها بوصفها قطاعات متاحة للنقد والتمحيص وإبداء الرأي طالما هي تتماس مع حراك الناس وتفاعلاتهم، بل وتتعدى ذلك إلى التشكيك في النوايا والوصف بعدم القدرة على فهم أدوارها متكئة على أحد أمرين، إما شخصية اعتبارية تتسنمها أو تاريخ سابق من الحضور الذي لم يعتد على مثل هذه الممارسات الناقدة المتسائلة ولا أعلم من خلال الانغماس في المشهدين الإعلامي أو الثقافي أن جهة ما قد تبنت رأيا مخالفا لما قامت به فعدلت مسارها بعد أن شكرت صاحب الفضل فيما تحولت إليه، بل ديدنها التحفز والتنمّر ليأتي من يمتطي هذه الموجة وبصورة لا يمكن استيعابها إلا من مبدأ النفعية المباشرة فيذكي حماسة الدفاع ويضع نفسه رأس حربة مسنونا في وجه القراءة الناقدة ليحيل الحدث برمته وما نتج عنه إلى مجرد "زوبعة تافهة وسط فنجان".
قبل أيام عقدت ندوة حول الجوائز الثقافية في بلادنا، وذلك على هامش حفل جائزة أبها ودار النقاش الشفيف حول الماهية أولا، ثم تطرق المتحدثون إلى ما يصاحب تلكم الجوائز من إجراءات قد يعتريها ضعف المنهجية أو نقص الخبرات المؤهلة، إضافة إلى المبالغة في إلباسها ثوب النزاهة – الواسع أحيانا – وكأنما لا دور للضعف البشري أو للعاطفة الطاغية أو لمحدودية الأهلية التخصصية والفنية للجان التحكيم في نتائجها، كانت المداولات جريئة وواضحة وموضوعية إلى الحدّ الذي يحفز المسؤولين عن تلكم الجوائز والمسابقات إلى مراجعة أهداف الجوائز وغاياتها، وما المرجو منها؟ وكيف لها أن تثري المشهد – بعض الفائزين بها للمرة الأولى لم يسمع لهم صوت بعدها ولا صرير قلم - وتعمل على استقطاب المبدعين الحقيقيين.
الأمر لم يصل بالطبع إلى هذه الصورة المأمولة، فانبرت أقلام متحمسة لتضفي كل صفات الدقة والموضوعية والنزاهة على الجوائز، واصمة المضامين الداعية إلى المراجعة وإعادة الصياغة بأن أصحابها فارغون ومثيرون للمشكلات ويسعون إلى منافع خاصة كالانضمام إلى لجان الجائزة أو الفوز بإحدى دوراتها. الواقع أن بقاء جوائز الثقافة على حالها دون عمليات تقويم مستمرة، إلى جانب اتكائها على "عيون الرضا" أمام كل نقد هما عرضان ينبيان عن مرض مستشرٍ أولى نتائجه فقدان الثقة في مصداقية تلك الجوائز ومن ثم إعراض المبدعين عن المشاركة فيها.