يقول الشيخ الداعية الأكاديمي عبر حسابه الرسمي في "تويتر": "على القائمين على التعليم العالي من الوزير ومن بعده مديري الجامعات وغيرهم ممن له أثر في أمر ابتعاث البنات أن يتقوا الله في بنات المسلمين في هذه البلاد ولا يعرضوهن للفتنة في دينهن وأعراضهن"... وأضاف: "من العجب أن يُفرض هذا المنكر على بنات المسلمين فرضاً، وحاشا خادم الحرمين أن يرضى بإجبار من لا ترغب في الابتعاث، اتقوا الله فأنتم المتحملون لوزر فرض الابتعاث عليهن"... وتابع: "إن رفض الابتعاث منكن مشاركة في نصر دين الله في هذه البلاد، فاللهَ اللهَ في الثبات والصمود واتحاد الرأي والكلمة، ولو أدى ذلك إلى فصلكن، فإن التهديد بالفصل لا يسوغ قبول الابتعاث ولئن فعلوا ذلك لكان فضيحة عليهم ووسام شرف لكن، وسيسجل ذلك التاريخ لكن وعليهم، والله يتولى الصالحين".
قد يبدو هذا الحديث ـ للوهلة الأولى ـ وكأنه كان قبل نصف قرن من الزمان حين ذهبت أفواج إلى الملك فيصل - رحمه الله - مستنكرين فتح مدارس للبنات، ولنا أن نتخيل لو أن الدولة اتخذت موقفا سلبيا من تعليم الفتيات قبل 50 عاماً، وجاملت هذه الأصوات المتشددة المرعوبة من كل حركة إصلاح اجتماعي، ووقفت ضد تعليمهن مع تيار المتشددين الرافضين لتعليم الفتيات.. ماذا يمكن أن تكون حالنا اليوم؟
في نظري أن مثل هذا الكلام اليوم، هو في واقعه ضرب من الجنون! أليس موقف بعض الدعاة عندنا الرافضين لابتعاث الفتيات هو نفسه موقف جماعة "طالبان" من تعليم المرأة إبان الحقبة الظلامية في فترة حكمها؟
هذه الثقافة المعادية لتعليم المرأة هي ذاتها التي نهلت منها "طالبان" عبر مدارسها المتشددة وبدعم من المتمشيخين الأكاديميين في الخليج. ويمكن للقارئ الكريم الاطلاع على السجل الأسود لحركة "طالبان" في تعليم البنات والمثبت بالفتاوى التي أصدرتها خلال حكمها، مما شكل كابوساً على نفوس الأفغان.
ولا ننسى كيف عمدت "طالبان" إلى رش الأسيد على وجوه طالبات صغيرات في قندهار لأنهن ذاهبات إلى المدرسة؟! كيف ننسى بأن هذه الجماعة فقط في 2007 دمرت 117 مدرسة وأغلقت 200 مدرسة أخرى ، لقد وصل عداء "طالبان" للمرأة الأفغانية حد الإعلان عن مكافأة 1000 دولار لمن يقتل مدرسة! وكيف ننسى بأن هذه الجماعة المتعصبة ضيقت على الناس وكتمت أنفاس المجتمع؟ حتى تحولت أفغانستان إلى أسوأ مكان يعيش فيه إنسان، ملأته بمظاهر البؤس والكآبة، وكانت المرأة هي الأكبر بؤساً، إذ حرمت من أبسط حقوقها في التعليم.
عودة مرة أخرى إلى تصريح الشيخ الأكاديمي وعبارته التي فيها من احترام الحريات والديموقراطية الشيء الكثير: "من العجب أن يُفرض هذا المنكر على بنات المسلمين فرضاً.." ولعمري إنها جريمة أكاديمية أن يكون ـ وهو الأستاذ الجامعي ـ غير مطلع على أنظمة التعليم الجامعي التي لا تجبر أي فتاة على التعيين على وظيفة "معيد" إن كانت ظروفها لا تسمح لها بالوفاء بكل متطلبات الوظيفة!
الشيخ المعترض هو نفسه أفتى قبل سنوات بجواز قتل من يبيح الاختلاط في ميادين العمل والتعليم، واصفا من يقوم بهذا العمل بالإنسان المرتد الكافر الواجب قتله"، وهو نفسه أيضا الذي اعترض قبل عدة أشهر على إدخال حصة التربية الرياضية للبنات وصرح بأنها من التغريب والتشبه بالكفار، ولا أعلم هل يستثنى من التغريب حسابه الشخصي في "تويتر" الذي هو من صنع الغرب الكافر؟ وهل يستثنى من ذلك "المايكروفونات" التي يخطب بها وهي من صنع الغرب الكافر؟ ثم ماذا عن سيارته التي صنعها الكفار؟ وماذا عن "شماغه" الإنجليزي؟ هل ذلك كله من باب الديموقراطية؟ هل من الديموقراطية أن يهاجم الرجل مشروعا تعليميا تنويريا نتج عنه ابتعاث ما يزيد على 150 ألف طالب وطالبة يدرسون في الجامعات الأجنبية في مختلف أنحاء العالم؟ أليس من الديموقراطية والعدل أن نتحدث عن القوائم الطويلة التي تضم أسماء العديد من المبتعثات السعوديات والتي زينت صدر الوطن بقلائد الإبداع الذهبية؟