يطالعنا بعض النشطاء من حين لآخر على مواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" و"تويتر"، وبرنامج "الواتس أب"، بما أصبح فاقداً لعنصر المفاجأة، وبات في حكم الممجوج المكشوف، مؤخراً لا يكاد يأتي رمضان دون أن نشاهد هنا وهناك الحملات (الدعائية) الداعية إلى مقاطعة القناة الفلانية، أو البرنامج الفلاني، أو المذيعة الفلانية، وكلنا يذكر ما دار العام الماضي قبل وأثناء شهر رمضان المبارك، حول مسلسل "عمر" الذي بثته قناة الـ"MBC"، والدعوة إلى مقاطعة القناة وبرامجها وكل شيء بخصوصها، وهذا في الواقع صب في مصلحة وزيادة شعبية وشهرة القناة المشهورة أصلاً، ونشاهد في مقاطع مرفوعة على موقع "اليوتيوب"، تحمل كثيرا من الأمور المستهجنة إنسانياً وأخلاقياً حول هذا الموضوع، والتي يصاحبها بكاء وعويل وتكبير وكأننا أمام أكبر جرائم التاريخ، في مشهد يستجدي عواطف الجمهور ويؤجج الكره الذي يستثمر توجيهه باتجاه أهداف معينة، على رأسها بعض القنوات الفضائية كالـ"MBC" مثلاً..
وحين نتأمل المشهد من بعيد، فإننا في الواقع سنقف أمام عدة استنتاجات مهمة، يأتي في مقدمتها الشك باحتمال وجود تسريبات قوية من داخل هذه المؤسسات الإعلامية للترويج لبرامجها، من أجل كسب المزيد من المتابعين، وبالتالي الحصول على تصنيف أعلى على سلم ترتيب إشارة المشاهدة الصادرة عن المؤسسة المالكة للقمر الصناعي، والتي تعلنها من حين لآخر، مما يزيد من طلب الإعلان عليها من قبل الشركات التجارية، وهذا فيه ذكاء وخبث كبيران، ومن جهة أخرى قد يبدو لك المشهد مثيراً للضحك، حين يتبنى بعض (المحتسبين) وأضعها بين قوسين، الحملات الداعية إلى مقاطعة القناة الفلانية أو غيرها، إذًا إنهم يقومون بها بطريقة مثيرة للشفقة، لا تعكس أية خبرات أو دراسة ستؤدي في نهايتها إلى نجاح تلك الحملات كما يجب، بل تظل محصورة في نطاق المراوحة بين الفشل والفشل، فالاستجداء الذي يمارسونه من خلال استحضار النصوص الدينية، المصاحبة للحركات التمثيلية على المسرح أمام الحشود الجماهيرية، للاستدلال بها على صدق قضيتهم، لا يعبر في الحقيقة عن نضج دعوي كافٍ، بل يدخل في إطار الحركات المراهقة أكثر من كونه عملاً منظماً، وهو ما يفسره الجمهور لاحقاً بالمتسرع، ويصفه البعض الآخر بـ(الاستهبال والاستعباط)، ويثير الشارع على الطريقة المخيبة التي يستخدمونها، فالشارع اليوم باتت مكوناته أكثر فهما لواقعها ومتغيرات يومياتها وعصرها، ولن يجدي نفعاً ما يحاول تغييب عقليتهم بهذه الطريقة التقليدية.
البارحة كنت أجلس إلى بعض الشباب الذين عبروا لي عن سخريتهم الكبيرة من الدعوة إلى المقاطعة، وأنهم قد تبنوا ذلك بالفعل على صفحاتهم الشخصية بمواقع التواصل الاجتماعي، ولا يهمهم في الواقع ما إذا كانت القنوات هي من يقف أم تلك الحملات أو غيرها من الذين يطلقون على أنفسهم (المحتسبين)، بقدر ما يهمهم التعبير عن رأيهم تجاه المسألة على طريقتهم، وأجدني أضم رأيي إلى رأيهم ومصطفاً معهم في مطالباتهم باحترام عقولهم، وعدم الزج بالدين في لعبة المصالح والاتجار بهذه الطريقة السخيفة، وعليهم توضيح الأمر من زاويا أخرى تلائم الطريقة التي يفكر بها إنسان العصر الحالي، واحترام الدين كاملاً لأن الدين لله.