تبقى المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر دولتان مركزيتان، وتكتسبان قيمتهما ووزنهما من الثقل الإسلامي والقومي الذي يمثلانه في محيط العالم العربي، ويعزز من ذلك الزخم السكاني المصري الذي يشكل قوة بشرية معتبرة، إضافة إلى الثقل الاقتصادي السعودي.

ما ذكرته معلوم ومدرك عند الجميع، لكن التحولات التي مرت بها مصر خلال ما يسمى بـ"الربيع العربي"، جعل المملكة العربية السعودية تتوجس خيفة من أن تتوه مصر في مهب هذه الفوضى "الخراقة"، التي عصفت ومازالت تعصف بكثير من خواصر العالم العربي، ولهذا راقبت المملكة ما يجري في مصر بعين المتوجس والمحب؛ حتى دانت الانتخابات بفوز عريض للرئيس عبدالفتاح السيسي، وكانت المملكة ممثلة في مليكها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، أول المهنئين المباركين لمصر هذا الاختيار الشعبي، بل وكانت تهنئة الملك عبدالله بن عدالعزيز للمشير عبدالفتاح السيسي رسالة عزم ودعم، حيث لم تقتصر الرسالة على ما جرت به البروتوكلات الرسمية من مجاملات، وإنما جاءت الرسالة لترسم لمصر مشاعر الملك عبدالله محفوفة بمشاعر السعوديين الذين يقفون عازمين وداعمين لاستقرار مصر وعودتها إلى مكانتها العربية والإقليمية على نحو يعزز التعاضد العربي في مواجهة المد الصفوي الفارسي الذي أزكم الأنوف برائحته الطائفية المقيتة.

لقد سعت إيران جهدها خلال السنوات الماضية لإشعال الحرائق وإيغار النفوس بين أبناء الوطن الواحد، بعد أن كان التعايش والتصالح المذهبي هو السائد خلال العقود الماضية، بل لم تكن مفردة "السنة والشيعة" علامة فارقة إلا في بعض المناسبات الخاصة جدا، لكنها لم تكن متداولة بهذا الإيغال في التصنيف والإقصاء إلا من بعد ثورة الخميني، التي بدأت تظهر آثار مساعيها الدؤوبة خلال السنوات الماضية في زرع الخلايا النائمة، وتمويل الطوابير الخائنة، مما انعكس على استقرار الأوضاع في اليمن والبحرين وسورية ولبنان والعراق، بل إن هذه الأحداث والتحولات هي التي عززت من ضرورة قيام التحالف "السعودي ـ المصري ـ الإماراتي"، الذي ارتكز على ضرورة دعم مصر لتبقى في حضنها القومي؛ حتى تستعيد دورها العروبي الكبير.

ولم يقتصر الدفع الذي تقدمه المملكة والإمارات على الدعم المالي الثنائي، مما استدعى الحاجة لعقد مؤتمر المانحين، الذي يتمحص من خلاله المانحون المخلصون الذين سينضمون إلى هذه المسيرة الأخوية التي تسعى لوحدة الصف ومواجهة الأعداء والأخطار الماحقة التي تحيط بنا من كل حدب وصوب.

لقد جاءت زيارة خادم الحرمين الشريفين لمصر في طريق عودته من المغرب؛ لتمثل صدمة لكل الذين يترقبون خطواتنا ويحصون أنفاسنا؛ طمعا في تأزيم المواقف الراسخة والعلاقات المتجذرة تاريخيا بين مصر والسعودية.

وأحسب أن لقاء الملك عبدالله مع الرئيس السيسي قد شكل لنا فرحة إضافية، وإن كان هذا اللقاء المفرح قد شكل في نفس الوقت صدمة وحسرة لكل المتربصين بهذه الأزمة؛ من خلال الاستهدافات والمخططات التي لم تعد خافية على كل ذي بصيرة، بل إن الاصطفاف المستهدف للمنطقة وعروبتها بات ساطع الوضوح من خلال التكتل والتحالف بين عدة محاور وقوى لا يجمعها إلا هدف التقسيم والتشطير لإضعاف وإنهاك القوى المحورية والمركزية في المنطقة، لكن الوعي الشعبي العربي سيدحر هذه المخططات وستمضي المكائد ـ بحول الله ـ وقوته إلى مزبلة التاريخ.