أوصت لجنة الشؤون المالية بمجلس الشورى بـ"توسيع نطاق الرقابة على الأداء لتشمل الخطط والبرامج والاستراتيجيات لجميع الجهات الحكومية؛ للتحقق من أن تلك الجهات قد استخدمت الموارد المالية والبشرية في الأنشطة والمهام المنوطة بها بأعلى قدر من الكفاءة والفعالية والاقتصادية".
والغريب في التوصية السابقة، أنها جاءت في الوقت الذي يعد فيه توسيع نطاق رقابة الأداء الهدف الاستراتيجي الثاني من الخطة الاستراتيجية الثانية لديوان المراقبة العامة (1431-1435) والتي جاء فيها ما نصه "استمراراً لجهود الديوان في التركيز على رقابة الأداء بهدف تعزيز مبدأ الرقابة الوقائية الذاتية، والإسهام في تطوير أساليب وإجراءات العمل ورفع كفاءة الأداء وتحقيق الاستغلال الأمثل للموارد الاقتصادية المتاحة، فقد حرص الديوان على وضع هذا الهدف الاستراتيجي للتوسع في تطبيق رقابة الأداء".
وبناء على ما سبق، فإن توصية مجلس الشورى توحي ضمناً بأنه لم يتم تحقيق الهدف الاستراتيجي الخاص بالتوسع في تطبيق رقابة الأداء، والأسئلة المطروحة هنا هي: كيف يتم تحقيق هذا التوسع؟، وهل يمكن عملياً أن تشمل رقابة الأداء جميع أنشطة وبرامج الجهات الحكومية؟، وهل تضمن التقرير السنوي لديوان المراقبة الأهداف الفرعية التي تم تحقيقها فيما يتعلق بالخطة الاستراتيجية؟.
لنناقش في البداية الأهداف الفرعية التي وضعها ديوان المراقبة في سبيل تحقيق التوسع في تطبيق رقابة الأداء، وذلك على النحو التالي:
الهدف الفرعي الأول: والذي ينص على "التركيز على القطاعات الخدمية المرتبطة بأمن ورفاهية المواطن، وفقاً للتوجيهات السامية، وأهداف خطط التنمية الخمسية".
وبناءً على هذا الهدف، ما هي القطاعات الخدمية التي تم التركيز عليها؟ فجميع القطاعات الحكومية هي في الأساس قطاعات خدمية وترتبط بأمن المواطن ورفاهيته، فما هي المعايير التي تم الاستناد إليها في عملية اختيار مهام الرقابة على الأداء؟.
حسب دليل الرقابة على الأداء، والصادر عن ديوان المراقبة عام 1428، فهناك معايير تتعلق باختيار المهام، منها على سبيل المثال: الأهمية النسبية للبرامج والأنشطة الحكومية ومدى قابليتها للتبذير والتلاعب وسوء الاستغلال وسوء الإدارة، وهذا يعني أن عملية اختيار مهام الرقابة على الأداء هي عملية انتقائية في الأساس ولا تشمل جميع البرامج والأنشطة الحكومية، وهذا يتطلب أن تكون هناك خطة استراتيجية طويلة المدى خاصة برقابة الأداء وحدها، تهدف إلى تقديم التركيز والإطار لاختيار مهام الرقابة المنفردة، وبالتالي فإن السؤال المطروح هنا: هل لدى ديوان المراقبة خطة استراتيجية تتعلق بالرقابة على الأداء والتي على أساسها يتم اختيار مهام الرقابة المحتملة والمستقبلية؟.
الهدف الفرعي الثاني: ويتعلق بـ"وضع آلية لقياس أثر العمليات الرقابية التي ينفذها الديوان على كفاءة أداء الجهات المشمولة برقابته".
والهدف الأساسي من وضع هذه الآلية هو قياس أثر توصيات تقارير الرقابة على الأداء، واستناداً للمعيار الدولي رقم (3000) الذي ينص على أن "متابعة أثر توصيات (الرقابة) مهمة في جعل تقارير (الرقابة) أكثر فاعلية وفي تقييم أداء الجهاز الرقابي"، وعليه فهل تم إعداد نظام للمتابعة يتضمن آلية لقياس أثر العمليات الرقابية في ديوان المراقبة؟ فعلى سبيل المثال، لو تم فرضاً وضع هدف استراتيجي وفقاً لخطة التنمية التاسعة وهو تطوير بيئة العمل الإداري في الجهات الحكومية فهل أسهمت توصيات الديوان في تحقيق هذا الهدف؟ وهل توجد لدى الديوان آلية لقياس الآثار المالية وغير المالية لهذه التوصيات؟.
أما بالنسبة للهدف الفرعي الثالث، والذي يعد محور توصية مجلس الشورى سالفة الذكر، والذي ينص على "العمل على زيادة عدد المهام المنفذة سنوياً خاصة في مجال الخدمات الصحية والتعليمية والبلدية والمياه والكهرباء والبيئة".
وهذا الهدف في الحقيقة يتعارض مع الهدف الفرعي الأول، فعلى أي أساس تتم زيادة المهام دون وجود خطة استراتيجية طويلة المدى لرقابة الأداء، توضح طبيعة أعمال الرقابة المستقبلية، وتتضمن تقديراً للموارد البشرية والمالية التي ستنفق على المهام المختارة، وماذا عن عوامل اختيار المهام (الأهمية، القابلية، الحساسية، خبرة المراجعة، احتمال التغيير)؟.
فمن خلال الخطة الاستراتيجية يتم تحديد المواضيع والمجالات ذات الأهمية في الدولة، وتركيز المهام على تلك المواضيع، ولا يتم الاعتماد على مهمة رقابية واحدة بل تتم دراسة تلك المواضيع في عدد من المهام يتم تنفيذها خلال سنة واحدة أو أكثر.
وهذا الهدف يركز على الكم ويهمل بوضوح الجودة والنوعية لمهام الرقابة على الأداء وليس هذا فحسب، بل يشكل خطراً محتملاً على البيئة الإدارية للرقابة، يتمثل في زيادة الضغط على الإدارة في زيادة المهام وتنفيذ الخطة دون اعتبار للمعايير الخاصة بالرقابة على الأداء، فيتم إهمال عمليات المسح والتخطيط وإعداد برامج المراجعة واختيار مهام ليست لها أهمية تذكر وربما تكون مكررة من سنة إلى أخرى، ناهيك عن ظهور مشاكل تتعلق بالتعاون مع الجهات الحكومية المشمولة بالرقابة، بالإضافة إلى إرهاق المراقبين أنفسهم، الذين سوف يبحثون عن الأخطاء ويهملون التحسين والتطوير، وربما تنازلوا عن أخلاقهم المهنية، مما ينعكس بالسلب على النتائج الرقابية وجودتها، وبدلاً من التوسع في تطبيق رقابة الأداء يكون البديل هو إلغاء هذا النوع من الرقابة نهائياً.
فالتوسع في تطبيق رقابة الأداء لا يعني زيادة عدد المهام الرقابية المنفذة سنوياً، ولا يعني أيضاً أن يشمل جميع برامج وأنشطة الجهات الحكومية، فهذا من ضرب المستحيل، وإنما التوسع يعني تطبيق المعايير المهنية والدولية على أرض الواقع للوصول إلى نتائج ذات جودة عالية، تتسم بالمصداقية ترفع إلى أصحاب المصلحة (الجهات التشريعية، والتنفيذية، والرأي العام) ومساعدتها في اتخاذ القرارات المناسبة، وتحسين علاقة ديوان المراقبة العامة مع الجهات الحكومية المشمولة برقابته والمساهمة في تطوير وتحسين أدائها كقيمة مضافة.