أكتب هذا الأسبوع من الولايات المتحدة، حيث حققت الحركة العالمية لمقاطعة إسرائيل نجاحاً جديداً في قرار إحدى أكبر الكنائس البروتستانتية بمقاطعة بعض الشركات الأميركية التي تدعم الاحتلال. وهذه الحركة، وتسمّى "المقاطعة، وسحب الاستثمارات، والعقوبات" أو اختصاراً باللغة الإنجليزية (بي دي إس)، حركة شعبية غير حكومية تهدف إلى إقناع الحكومات والشركات والجامعات وغيرها بمقاطعة الاحتلال الإسرائيلي وفرض عقوبات عليه، وسحب استثماراتها. وقد حققت الحركة نجاحاً ملحوظاً في أوروبا، ولكن نجاحها في الولايات المتحدة محدود حتى الآن.
ففي يوم الجمعة الماضي (20 يونيو) صوّت مجلس "الكنيسة المشيخية" لسحب استثمارات الكنيسة من ثلاث شركات أميركية تدعم الاحتلال: (كاتربيلر)، و(هيوليت باكارد)، و(موتورولا). وبمقتضى القرار ستسحب الكنيسة كامل استثماراتها البالغة (21) مليون دولار من هذه الشركات.
وتأتي أهمية القرار من كون هذه من أقدم الطوائف الأميركية وأكثرها قوة ونفوذاً، كان من أبنائها عدد من الرؤساء وكبار المسؤولين وقادة الرأي والأعمال، ولهذا فإن لقرارها أهمية تتعدّى حجم استثماراتها في الشركات الثلاث.
واستغرق الجدل حول القرار عشر سنوات، ولم يحظ بالأغلبية إلا الأسبوع الماضي، بعد أن تمت صياغته في نطاق ضيق بحيث يستهدف الشركات التي تعمل بصفة مباشرة مع إسرائيل لتنفيذ أسوأ مظاهر الاحتلال. ومن حيثياته أن شركة كاتربيلر تقوم بصناعة منتجات تستخدمها إسرائيل لهدم بيوت الفلسطينيين، وأن (هيولت باكارد) تقدم التقنيات اللوجستية لفرض الحصار البحري على غزة، أما "موتورولا" فتقدم النظم العسكرية والتجسسية للمستوطنات الإسرائيلية.
ومع أن الكنيسة حرصت على طمأنة أنصار إسرائيل، بأن سحب الاستثمارات يجب ألا يُفهم على أنه "يتقاطع أو يتوافق مع حركة (بي دي إس) العالمية"، فإن القرار سيُعطي الحركة دفعة قوية. وفي الوقت نفسه كان القرار ضربة موجعة للمجموعات المناصرة لإسرائيل، التي ضغطت بشدة لمنع صدور القرار، ومن ضمن ذلك نشر رسالة مفتوحة وقعها أكثر من (1700) حاخام يهودي من كل ولاية أميركية، يطالبون بعدم اتخاذ هذا القرار.
بدأت (بي دي إس) في عام 2005 كحركة شعبية لاستخدام القوة الناعمة، أو الضغط الاقتصادي والثقافي والسياسي، لتحقيق أهدافها، التي تتلخص في ثلاثة: إنهاء الاحتلال الإسرائيلي والاستيطان، المساواة التامة لمواطني إسرائيل العرب، واحترام حق العودة للاجئين الفلسطينيين.
لقيت الحركة استجابة دولية لا بأس بها، فحصلت على دعم كامل من (ريتشارد فالك)، أستاذ القانون الدولي المعروف والمقرر الخاص للأمم المتحدة عن وضع حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث قال مؤخراً في مؤتمر صحفي: "إن التركيز على الجانب الاقتصادي تعبيرعن الإحباط الناشئ عن الفشل في إلزام إسرائيل بالوفاء بالتزاماتها القانونية، وعن عدم فاعلية جهود الأمم المتحدة في إدانة التوسع الاستيطاني".
وفي تقريره عام 2012 إلى مجلس حقوق الإنسان، أوصى الدكتور فالك بضرورة "مقاطعة الشركات الواردة أسماؤها في هذا التقرير، وكثير من الشركات الأخرى التي تجني الأرباح من المشروع الاستيطاني الإسرائيلي، إلى أن تغير تلك الشركات سياساتها بما يتفق مع معايير القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان".
وخص بالذكر ثلاث شركات أميركية (كاتربيلر، هيولت باكارد، موتورولا)، وهي الشركات الثلاث التي نص عليها بيان الكنيسة المشيخية يوم الجمعة، كما ذكر الشركات الإسرائيلية (أهافا، نظم إلبيت، ميهادرين)، والسويدية (فولفو، آسّا أبلوي)، والفرنسية (فيوليا للبيئة)، والبريطانية (جي 4 إس)، والبلجيكية (مجموعة ديكسيا)، والهولندية (ريوال القابضة)، والمكسيكية (سيميكس).
وأحرزت الحركة دعماً أكاديمياً، حيث أعلن الفيزيائي البريطاني المشهور (ستيفن هوكينج) مقاطعته لمؤتمر عالمي تحت رعاية الرئيس الإسرائيلي، وقال إن المقاطعة الأكاديمية للمؤسسات الإسرائيلية هي الطريقة الصحيحة للرد على "السياسة المعلنة" لإسرائيل بـ"التمييز الممنهج" ضد الفلسطينيين.
ويدعم الحركة أسقف جنوب أفريقيا ديزموند توتو، والبروفيسوران نعوم تشومسكي ومالكولم ليفيت، والكاتبة الروائية أليس واكر. ودعمتها الكاتبة الكندية نعومي كلاين، التي كتبت في مقال لها: "لقد حان الوقت. منذ وقت طويل حان الوقت. إن أحسن استراتيجية لإنهاء هذا الاحتلال الذي يزداد دموية هي أن تُستهدف إسرائيل من قبل حركة عالمية على غرار الحركة التي أنهت نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا".
وربما كان أكبر نجاح للحركة تحقق في أوروبا. فعلى سبيل المثال، في يناير 2014، أعلن أكبر بنوك الدنمرك (دانسك) إدراجه لأكبر بنك إسرائيلي (هابوعاليم) على القائمة السوداء لأنه "يخالف قواعد القانون الدولي الإنساني" بتمويله للمستوطنات اليهودية، وسحب البنك استثماراته من شركتي (استثمارات إسرائيل - أفريقيا المحدودة)، و(دانيا سيبوس) للأسباب نفسها.
ومنذ عام 2010، تعهد فوق (140) أكاديمياً أيرلندياً و(250) فناناً بمقاطعة إسرائيل. وفي مارس 2014، أعلن اتحاد طلبة مقاطعة (غالواي) انضمامه لحركة المقاطعة، كأول اتحاد طلابي أيرلندي يقوم بذلك.
وفي ديسمبر 2013، قال وزير خارجية هولندا (فرانز تيمرمانز) خلال زيارة لإسرائيل إن حكومته تعارض الأنشطة الاقتصادية للشركات الهولندية في الأراضي المحتلة. وفي العام نفسه، أعلنت شركة المياه المعروفة (فيتنز) إنهاء علاقاتها بإسرائيل نظراً لانتهاكاتها للقانون الدولي. وبالمثل، ألغت شركة (رويال هاكسونينج) مشروعاً كان مقرراً إقامته في القدس الشرقية، مشيرة إلى أن "المشاركة في هذا المشروع يمكن أن تشكل انتهاكاً للقانون الدولي".
وأدرج صندوق التقاعد في لوكسمبورغ على القائمة السوداء ثماني شركات إسرائيلية، بالإضافة إلى شركة (موتورولا) للأسباب نفسها.
وفي يناير 2014، أعلن صندوق التقاعد في النرويج أنه لن يستثمر في شركتي (استثمارات إسرائيل - أفريقيا المحدودة)، و(دانيا سيبوس) السالف ذكرهما، بسبب انتهاكهما لمعاهدات جنيف بالمساهمة في بناء المستوطنات في القدس الشرقية.
وتأتي أهمية حركة "المقاطعة، وسحب الاستثمارات، والعقوبات" من كونها حركة شعبية تعمل على غرار الحركات العالمية التي عملت خلال الثمانينات والتسعينات لمقاطعة جنوب أفريقيا، إلى أن تمت الإطاحة بالنظام العنصري هناك في عام 2014. فقد فشلت الجهود الدولية الرسمية، كما قال البروفيسور فالك، في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي. أما المقاطعة العربية فقد ضعُفت كثيراً بعد اتفاق أوسلو، خاصة وقد حاربها الكونجرس الأميريكي وحاصرها في عدد من قوانينه التي جرّمت التقيد بها.