معهد "إيبسوس"، وهو بالمناسبة معهد عربي عالمي محترم، أنشأه ويقوم عليه باحثون وأكاديميون عرب ومسلمون، قدم هذا المعهد استطلاعاً للرأي في العام المنصرم، بعنوان (فرنسا 2013: انقسامات جديدة)، وقد وقع الاستطلاع 1016 شخصاً، وجميعهم فوق سن الثامنة عشرة. خلص الاستطلاع لنتائج كارثية بمعنى الكلمة، فـ74 بالمئة عدوا أن الإسلام ديانة غير متسامحة، ولا تتوافق مع تقاليد المجتمع الفرنسي، كما قال الاستطلاع أيضاً أن ثمانية من كل عشرة أشخاص يعدون أن الإسلام يسعى لفرض شريعته على الآخرين. أنت تتحدث عن مجتمع فرنسا، البلاد التي تعد نفسها قلب المدنيّة الأوروبية، فكما أنه لا يُسمح باستخدام الدين في العملية السياسية ومنجزاتها وأوساخها، فإنه بالضرورة لا وجود لمواقف موجهة حيال سائر الأديان، بما فيها الإسلام، لذا تبدو نتائج كهذه مخيفة، وتشير إلى مصيبة حقيقية، وإن افترض أي أحد أن جزءاً من هذه النسبة قد يكون بسبب تلويث بعض أجهزة الإعلام لصورة المسلمين، فكم عساها ستكون هذه النسبة! وماذا عن الجزء المريع في استطلاع كهذا، ماذا عما فعله المسلمون في نواحي الأرض ليصمموا عن أنفسهم بأنفسهم هذه الفكرة العدوانية والبغيضة، ولاحظوا أن المعهد عربي، وأن فرنسا واحدة من البلدان التي تعيش فيها جالية عربية كبيرة.

وقبل أي محاولة للتشكيك أو الطعن فلنتوقف قليلاً عند تلك المشاهد التي تعبر محطات العالم: فتاة يُحكم عليها بالجلد في السودان لارتدائها الجينز، ومقاتل في سورية يقتلع قلب خصمه ويمضغه، ومجموعة ملثمون يحزون ويقطعون رأس كوري وهم يتصايحون "الله أكبر"، ورجل دين مصري يشرّع لقطع رؤوس خصومه، وينسب لصحابي أنه قطع رأس عدوه، ثم وضعه ثالثاً مع حجرين، ونصب عليه قِدر طعامه، وأشعل النار فيه، وهناك مبتعث سعودي يدخل معبداً في اليابان، التي استقبلته وفتحت له باب جامعتها، وقام بتحطيم عدد من تماثيلها التي تعود لقرون، وأيضاً هناك مسلم من الشيشان يفجر قنبلة في سباق رياضي، ومسلم من بلاد المغرب العربي يدخل ميترو في مدريد وينسفه، ومسلمون أيضاً من اليمن يدخلون مستشفى، ويقتلون المرضى، أحدهم هجم غيلةً على ممرضة وهي تحاول إسعاف مصاب، وأطلق النار عليها.. وغير ذلك من القصص التي صارت يوميةً للأسف. فأية أفكار وتراث وفتاوى يحملها هؤلاء عن الإسلام، وأي صورة نتوقع جميعاً أن سيكوّنها العالم عنّا. أليس بودّ كل عربي ومسلم أن يقول في كل مكان من العالم، أنا عربي.. أنا مسلم، من بلاد كذا وكذا، فيُقابل بالاحترام، لكن ما يحدث أنك تتردد كثيراً حين يسألك أحدهم من أين أنت! لماذا؟! إنها تلك الصورة المخزية وتلك الـ74 بالمئة.