قبل عدة سنوات دعم خادم الحرمين الشريفين وفقه الله التعليم العام بتسع مليارات ريال بهدف تطوير التعليم بالإضافة إلى ما يخصص في ميزانية الدولة كل عام مالي من مبالغ كبيرة للتعليم، وبدأ المشروع بداية متواضعة، وكانت هناك محاولات للتطوير ولكنها لم تصل إلى المستوى المأمول، ولم نر لهذا الدعم السخي أي نتائج ملموسة في الواقع، ولم تكن هناك إلا مشروعات متواضعة هنا وهناك لم ترق إلى الطموح والتطلعات، وفي الأيام القليلة الماضية تمت موافقة ملك الإنسانية على دعم التعليم العام أيضاً بمبلغ ثمانين مليار ريال على مدى خمس سنوات، بمعدل ستة عشر مليارا لكل سنة، وهذا دليل على اهتمام قيادات هذا البلد بالتعليم الذي يعد استثمارا حقيقيا في الأجيال الحالية والقادمة، وكما هو معروف فإن نتائج التطوير أو التغيير في المجال التربوي تحتاج إلى وقت طويل، ولا يمكن ملاحظة آثارها في وقت قصير، وهذا يتطلب من وزارة التربية والتعليم أن تكون لديها أولويات لمشروعاتها التطويرية وفق خطة زمنية محددة، وقد قام صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل وزير التربية والتعليم بتوضيح المجالات التي سيتم التركيز عليها خلال فترة السنوات الخمس القادمة، ومن المعروف أن مجالات التربية والتعليم متعددة ومتنوعة، وتشمل المجال التربوي والتعليمي ومتطلبات كل جانب، ونحن التربويين نرى أن التطوير في هذا المجال يجب أن يركز على هذين المجالين بنوع من التوازن، فلا بد من توفير الجوانب التربوية للمتعلم، وتقديم الجوانب التعليمية بشكل يواكب متطلبات العصر الحالي، ومعطياته.
فالطالب هو محور العملية التعليمية ويتطلع إلى بيئة تعليمية جاذبة، والبيئة المدرسية بمفهومها الشامل تضم الإمكانات البشرية والمادية؛ فالإمكانات المادية تشمل المتعلم الذي هو في الأساس محور العملية التعليمية، ولا بد من التعرف على احتياجاته وتطلعاته، وتوضيح ما له من حقوق، وما عليه من واجبات بشكل واضح ومحدد، وهذا يتطلب أن تكون هناك مقررات ودورات تدريبية تركز على المهارات الحياتية التي يحتاجها الطالب في عصرنا الحاضر، والتي من خلالها يفهم دوره في المجتمع، ويتم توضيح توقعات المجتمع منه في الحاضر والمستقبل، وهذا يتطلب إعداد لائحة تأديب للطلاب، ويتم عرضها عليهم بشكل مستمر، وتعرض في مدارسهم، وذلك لكثرة السلوكيات غير المرغوبة من بعض الطلاب التي نراها تتزايد في هذه الأيام مثل تمزيق الكتب الدراسية بعد نهاية الاختبارات، وتحطيم ممتلكات المدارس، وعدم المحافظة عليها، والاعتداء على المعلمين، وتحطيم سياراتهم، وتهديدهم، ويتم تطبيق هذه اللوائح في حالة حدوث أي مخالفات سلوكية من الطلاب، لأنها ستسهم في الحد من التجاوزات، والمخالفات، وفي الجانب الآخر توضح له حقوقه، وتعطى له كاملة.
كما أن المعلم هو المنفذ الحقيقي للعملية التعليمية، وهو بحاجة إلى إعادة هيبته التي غابت في هذه الأيام؛ فالمعلم لن يستطيع أن ينتج في عمله إذا كان الطالب لا يحترمه، ولا يقدر الأدوار التربوية، والتعليمية التي يقوم بها، وهنا أرى أن عملية اختيار المعلم في الأساس هي نقطة الانطلاق نحو التطوير الحقيقي للتعليم، وذلك يتطلب أن تكون هناك شروط، ومقاييس مقننة لاختيار من يلتحق بمهنة التدريس، ولا يدخل في هذه المهنة إلا من تنطبق عليه الشروط، وبرامج إعداد المعلم بحاجة إلى إعادة نظر من خلال التنسيق الوثيق بين الجهة الموظفة والجهات المعدة؛ بحيث تقدم وزارة التربية والتعليم المواصفات، والكفايات التي تحتاجها في المعلم، وتعمل الجهات المعدة على تطوير خططها الأكاديمية بما يحقق تلك المواصفات، ولا نتوقع الكثير من المعلمين الذين هم على رأس العمل إذا لم تتم تسوية أوضاعهم الوظيفية؛ فحين يرى المعلم أن طالبه قد تم تعيينه على مستوى أعلى من مستواه الوظيفي ويعمل في المدرسة نفسها، وهذا يشكل لدى هذا المعلم نوعا من الإحباط، ومن ثم اللامبالاة، وهنا أرى أن الخطوة الأولى في تطوير المعلمين وإيجاد البيئة المناسبة لهم هي تحسين مستواهم الوظيفي بما يستحقونه نظاما لكي لا يكون هناك مجال لتذمرهم، وتقاعسهم عن أداء عملهم، والتدريب أثناء الخدمة من أهم الجوانب التي يحتاجها المعلم في هذه الأيام، وهو بحاجة لتخطيط جيد لكي يكون مبنيا على الاحتياج الحقيقي، وجاء من ضمن المجالات التي سيتم التركيز عليها الدورات التدريبية الداخلية والابتعاث الخارجي لعدد من المعلمين، وهذه الخطوة بحاجة إلى وضع ضوابط جيدة تضمن أن من يلتحق بهذه الدورات داخليا وخارجيا سيستفيد، وينقل ما يتعلمه إلى مدارسنا، فقد يكون من ضمن نقاط الترشيح عدد الدورات الداخلية، والتطويرية في مجال التخصص، والتقنية، والتدريس، والتقييم، وسنوات الخبرة، وإنجازاته، وغيرها.
وفي الختام أتمنى أن يتم اختيار المعلمين السعوديين، وتمكينهم من التدريس عن طريق التعاقد السنوي، ومن لم يثبت وجوده في الميدان فعليه أن يبحث عن عمل آخر غير التدريس، والمجالات عديدة، وهذا يضمن انضباط المعلمين، واهتمامهم بتطوير أنفسهم، وبتعليم طلابهم؛ لأن كل هذه العوامل قد تساعده على تجديد عقده لعام آخر. وهناك تجارب متواضعة في المدارس الأهلية في هذا المجال، وقد تكون مؤشرات جيدة على نجاح التعاقد في التدريس، وقد تكون هناك إجراءات، وضوابط لمبدأ التعاقد بما يكفل حقوق كل من المدرسة، والمعلم، والمتعلم.