"فرنكشتاين" شخصية البطل الخيالية التي سكنت رواية الكاتبة البريطانية "ماري شيلي"، ارتبط مسماها ذهنيا بإثارة الرعب والخوف، وتحكي قصة طالب ذكي اسمه "فيكتور" صنع مسخا ثم انقلب ضده، في مشاهد يمكن تقريبها إلى الواقع وإسقاطها عليه، ويمكن أن يستوحى من مظاهر التسلط في الثقافة والتربية العربية.

لا شك أن المجتمع يربي أفراده ويصنع أساليبهم وأخلاقياتهم وهو المتضرر من السيئ الذي يأتي منهم، ويلاحظ أن السلوك العدواني في صوره المختلفة على جاهزية تامة في أكثر التعاملات، وقد يأتي تحجيم الدور الاجتماعي بتغذية جوانب الشر في الإنسان، وإضفاء حق التسلط عليها كعامل مهم، وهذا لا يختلف كثيرا عما فعله المسخ في الرواية الخيالية، ولكن بتفاوت نسبية التدمير.

لا يمكن أن تفصل مظاهر الحياة الاجتماعية عن أهمية البعد التربوي، وإعادة إنتاج الحياة الاجتماعية بعيدا عما تنطوي عليه من أشكال التسلط والعنف والاستغلال، فالنضال التربوي من أجل حرية التعاملات الإنسانية بأشمل معانيها، يفسر أهمية التوظيف الأيديولوجي المعكوس للمؤسسات التربوية، التي يمكن اعتبارها معاقل للكبت الاجتماعي والحصار الفكري والنفسي.

إن الشعوب العربية تعاني من سطوة الاغتراب وقيم العنف، الذي يبدد كل القيم والمفاهيم ذات الطابع الإنساني، إذ تأتي ابتداء من تنشئة الأسرة على أسس التسلط والإكراه اللذين تنميهما الأم مع أبنائها الذكور ضد بناتها، كذلك تعزيز دور الأب المتسلط، أضف إلى ذلك تبني المدارس إلى أساليب تسلطية في العمل التربوي، وهذا يترسخ ويتم في أعماق التكوين الثقافي، فالناتج على ضدين ظهور الخاضع والمتسلط الذي يبحث عن اندماجه في الآخر بما يلبي احتياجه، ذلك بالتخلي عن استقلاليته وحريته الشخصية، والذي يحدث في مجتمعاتنا اليوم ليس إلا نتيجة لتراكم العنف النفسي الذي يتعرض إليه الفرد من محيطه، والخلاصة، أن من صنع الوحش هو الوحيد القادر على إيقافه.