هل تدعمكم بلادكم؟ هل تدفع جميع مصاريف دراستكم؟ لديكم تأمين طبي حقاً؟ أسئلة تلاحقنا كمبتعثين من زملائنا ومن أساتذتنا إجاباتنا عليها نعم وطننا يقدم كل ذلك له ونحن نعمل بجد حتى نعود إليه بعقول قادرة على إحداث الفرق. ربما يكون طريق الابتعاث والدراسة في الخارج أصعب تجربة نخوضها حيث ـ في كثير من الأحيان ـ تشعر أن الشتاء بعيداً عن الوطن هو شتاء حقيقي يعريك من كل شيء إلا أمل أن هناك موعدا ستحضن السعودية فيه بكل ذرة رمل فيها.
"ناهد" مثلنا جميعاً خبأت في حقيبتها هدفا وأملا، كلاهما يبدآن بالوطن وينتهيان إليه؛ لذا عندما نشعر جميعاً أنها فقيدة الوطن لا نبالغ مطلقاً، بل تمتلئ قلوبنا ـ ونحن شهداء الله في أرضه ـ أن ناهد عروس في الجنة إن شاء الله، وتتأكد أكثر وأنت تقرأ التقارير التي تصفها في الصحف البريطانية وتذكر حجابها وعباءتها وتنتهي بقولها تبدو فتاة مسلمة. استوقفتني العبارة التي تحدث بها ضابط التحقيق وهو يطلب من الناس تذكر رؤيتها في الساعة الثامنة من يوم الثلاثاء.
لا أعرف إن كان قرأها لئام "تويتر" وهم يتحدثون كعادتهم في أعراض المبتعثات كأنهن ـ لمجرد دراستهن خارج الوطن ـ كفرن بالله أو عرضن أنفسهن للخطر، وهذا أمر سكتنا عليه كمبتعثات كثيراً وسط تجاهل من الجهات المختصة التي حتى الآن لم تتصرف لردع هؤلاء الذين يعدون أنفسهم مشايخ ودعاة، وينهشون في أعراض بنات الوطن لمجرد قرار شخصي بالابتعاث ساندته الحكومة وسهلت سبله لنا، بل ألزمتنا بوجود المرافق وهو بالضبط ما فعلته ناهد رحمها الله عز وجل.
أما المرافق فإن الملحقيات تطالب بوجوده، وقبل أسبوعين فقط نبهت الملحقيات جميع الطلاب بوجوب وجود مرافقيهم في مكان الابتعاث خلال ثلاثة أيام، بعدها أوقفت راتب المرافق في حالة عدم حضوره، وهي بالواقع تنفذ قرار الدولة وتظهر حرصها خاصة على الطالبات.
في الواقع، شخصياً كنت أتساءل عن هذا القرار الحاسم وشدة الملحقية في تطبيقه وربط النظام بالجوازات وإرسال خطابات التنبيه لكل المبتعثين والمبتعثات الذين يوجد مرافقوهم في غير بلد الابتعاث، خاصة أنه قرار غير منطقي بالنسبة للرجال من المبتعثين الذين يتم وقف نصف المكافأة عنهم لمجرد وجود أبنائهم في السعودية، إذ إن المبتعث ملزم بالإنفاق على أسرته سواء كانوا في بلد الابتعاث أو في الوطن.. فلم تقطع مكافأتهم؟ كما أن الحكم الشرعي يلزم المبتعثة بالمحرم وقت السفر وليس السكن معها، وإلا علينا إيجاد رجل لكل امرأة في السعودية.
ربما لا يجدون إجابة بالنسبة للمبتعث، لكنهم سيجدون إجابة للمبتعثة بقولهم: إنها تحتاج لرجل معها يحرسها ويقوم على شؤونها، لكن الواقع يثبت استحالة ذلك، فالمرافق لديه دراسته أيضاً ومستقبله، ولن يتحول إلى "بودي قارد" في الغربة، والجرائم تحدث في كل مكان، فمحاضرة أخرى في جامعة أم القرى خطفت من قبل سائقها في مكة، وقطعت يدها ودفنت في الصحراء ـ رحمها الله ـ.
بوصفي أما لبنات، أجدني أقول إن وجود رجل مع امرأة حتى نضمن سلامتها مضحك، لكن تعليم الفتاة كيف تحمي نفسها هو الأمر المنطقي والعملي.
في حادثة ناهد تقول الصحف إن المشتبه به رجل في الخمسين، وهو غالباً قد يكون تناول المسكر، ومع ذلك استطاع طعنها 16 طعنة كما تقول بعض الصحف أي أنها كانت ضحية سهلة لهذا الكهل.
يؤسفني القول إن السعوديات لم يعددن مطلقا لحماية أنفسهن وأجسادهن، والتي تتم عبر الرياضة والتدريب، فأجسادهن غير مرنة وغير قادرات على الهرب، كما أن الابتعاث عالم يحتاج إلى كثير من الأدوات.
إن تاريخ جداتنا يخبرنا كم كن قادرات على صد أي هجوم، لكن نحن أجيال هذا العصر نخاف من ظلنا بسبب هذا المجتمع الذي لم يمنحنا فرصة سوى أن نكون رقيقات وضعيفات ونجيد وضع المكياج على وجوهنا والعالم يختلف عن هذا كله؛ العالم يريد نساء قويات يعرفن كيف يتعاملن مع الرجل ويجدن ركل المتحرش أو المجرم حيث يسقط في لحظة.
الفتاة معرضة لخطر التحرش والقتل والتعنيف حتى من أقرب الناس إليها؛ لذا لو كنا صادقين مع أنفسنا لعلمناها كيف تدافع عن نفسها وتدافع عن أطفالها وأمتها أيضاً.