خسارة المنتخب الإسباني الدفاع عن لقبه بطلا لكأس العالم من المباراة الثانية في مونديال البرازيل هي الحدث الأبرز والأكثر سخونة وتداولا في تقصي أسباب هذا التدهور الكوارثي مستوى ونتائج، بالخمسة أولا أمام هولندا ثم ثنائية تشيلي الساحقة.

الغالبية ركزوا على الخماسية كنتيجة كبيرة وأن معطياتها العامة في كبر سن بعض اللاعبين و فقد ميزة (تيكا تاكا) التي تجلت في عطاء الإسبان نحو ثماني سنوات ببطولتين على صعيد قارة أوروبا وبطولة كأس العالم الماضية.

وهذه حقيقة ظاهرة، لكن وبدقة أكثر تجلت الأخطاء الفردية سببا فاعلا في (ثقل) النتيجة، دون التقليل من التفوق الكبير للطواحين الهولندية، ولكن ليس أسوأ من أخطاء الحارس المخضرم كاسياس ولا سيما في الهدف الرابع وهو يفقد الكرة أمام فان بيرسي، وقبله الهدف الثالث بتوقيته الخاطئ في الصعود قبل المهاجمين علما أنه تعرض للدفع، أما الهدف الخامس فهو خطأ فردي من المدافع قبل أن يخطف روبن الكرة ويعذب كاسياس ويجره جرا في مشهد تاريخي يوثق الخماسية القاهرة لكبرياء (بطل العالم).

والحفلة التاريخية الهولندية بدأت بأجمل أهداف المونديال حتى الآن، حينما (سبح) فان بيرسي في الهواء بقفزة مائلة للأمام مسددا برأسه الكرة من فوق كاسياس هدفا لا يمكن وصف جماله وإنصاف من أبدع في صناعته وتسجيله، ومن سوء حظ أبطال العالم أن يخطف روبن الهدف الثاني في أول ثمان دقائق من الشوط الثاني بطريقته الخاصة، ومن ثم توالت الأهداف حسب ما ذكرته آنفا.

والحقيقة الماثلة أن جل لاعبي المنتخب الإسباني تعرضوا لصراع نفسي وبدني وذهني أكثر من غيرهم بسبب تنافس الثلاثي برشلونة وريال مدريد وأتلتيكو مدريد في آخر الموسم بين الدوري الإسباني ودوري أبطال أوروبا، وقدموا أعلى جهد في شهرين متتالين فاستنزفوا طاقتهم، في وقت كان فيه لاعبو هولندا أقل تعبا ولعبوا بدافع رد هزيمة نهائي مونديال جنوب أفريقيا. ولأن النتيجة كانت قاسية وجارحة لم يستطع اللاعبون استعادة الأنفاس سريعا في المباراة الثانية حيث أجاد لاعبو تشيلي في التعامل مع ظروف الفريق المنافس القلق جدا من هزيمة صاعقة وهو ما حدث.

وهنا يجب أن نتساءل هل عجز الجهاز الفني بقيادة الخبير ديل بوسكي عن تهيئة اللاعبين بدنيا ونفسيا قبل المونديال، أم أنه مهما عمل من احتياطات غير قادر (علميا) على تحقيق مبتغاه؟ والسؤال المرادف: هل كان لزاما عليه تغيير نصف الفريق مثلا، وهل يوجد هذا الخيار، مثلما فعل الهولنديون ببقاء سبعة لاعبين من الفريق الذي لعب مونديال 2010، بينما (جل) لاعبي إسبانيا مستمرون؟

وهي ليست المرة الأولى التي يفشل فيها البطل في دور المجموعات، لكن السباعية التي مني بها المنتخب الإسباني في مباراتين من الحالات النادرة وتستحق دراسة علمية في فنون التدريب.

أما الشق الثاني من العنوان، فإن الأوروجواني (سواريز) الذي قدم موسما خرافيا مع ليفربول في الدوري الإنجليزي، واصل تألقه بامتياز وهو يصعق مرمى المنتخب الإنجليزي بهدفين غاية في الروعة والجمال ودقة التصويب بتركيز عال جدا، رغم أنه لم يكن في عافيته التامة وربما أنه تحامل على نفسه لكي لا يفوت فرصة المونديال، ونجح بكفاءة عالية في تتويج مجهود زملائه وقيادة منتخب بلاده لما هو أهم بتطلعات التأهل، قاصفا المنتخب الإنجليزي الذي يواجه مصيره المعتاد، وبما يؤكد أن لاعبي معقل كرة القدم غير قادرين على حمل لواء الريادة، وعلى الرغم من أن هؤلاء منبعهم أقوى وأجمل دوري في العالم إلا أن ثماره يقطفها من يحترفون فيه لصالح منتخبات بلادهم، وهو ما جدده النجم سواريز في أهم بطولة نترقب فيها الأجمل والأكثر متعة قادم الأيام.