اختتم مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني أمس لقاءه الثامن للخطاب الثقافي السعودي بتأكيد المجتمعين على أن الأغلبية الوسطية في المجتمع السعودي لا تسلم من التأثر بالرأي العام حول التصنيفات الفكرية، وأن هناك حاجة إلى التوعية حول التصنيفات الفكرية من جميع المؤسسات التربوية والتعليمية والمجتمعية والمبتعثين في الخارج، وذلك عبر مشروعات تطبيقية تجسد على أرض الواقع وتعزز الوحدة الوطنية، وأكد المجتمعون على ضرورة إعداد وثيقة وطنية تكون مرجعية لتعريف التصنيف وسن أنظمة وقوانين لتجريم التعدي وحماية الحقوق

اللقاء الذي عقد أمس وأول من أمس في جدة للحوار حول التصنيفات الفكرية وأثرها في الوحدة الوطنية، بمشاركة نحو 65 متحاورا، أكد بيانه الختامي على أن المأمول من الحوار هو تصحيح المسار وتصويب المفاهيم التي اختلط فيها الصواب بضده لكي لا تسفر هذه التصنيفات إلى تكوين تكتلات وتحزبات يبغض بعضها بعضاً بما قد يقود إلى التصادم بين أبناء المجتمع الواحد، الذي يشكل خطراً على مصالح الوطن.

وعبّر المشاركون والمشاركات عن عدم ارتياحهم مما تتداوله وسائل التواصل الاجتماعي من تراشقات واتهامات تصل إلى لغة غير مقبولة بين مختلف أطياف ومكونات المجتمع السعودي، وأكدوا على أن تهذيب لغة الحوار عبر هذه الوسائل هو مسؤولية أسرية تربوية إعلامية مجتمعية مشتركة، مع التوصية بسن تنظيم يقنن إجراءات جزائية ضد الكراهية والعنصرية والتعدي على حقوق وحرمات الآخرين.

ورأى المشاركون أهمية الخروج برؤية وطنية شاملة حول كيفية تجنّب التصنيفات الفكرية السلبية والإقصائية، التي تمس السلم الاجتماعي ومعوقات الوحدة الوطنية، وتعمل على إشاعة قيم الوسطية والاعتدال والتسامح بين جميع مكونات المجتمع السعودي على أن يتم تكوين فريق عمل من المفكرين والمهتمين بالشأن العام بإشراف المركز لصياغة هذه الرؤية ضمن منطلقات وأهداف وآليات يمكن تحقيقها على أرض الواقع. وأكد المشاركون ضرورة الحملات الوطنية "الإعلامية والتوعوية" التي تهدف إلى نشر ثقافة الحوار الإيجابي وأدب الاختلاف وأن ينسق المركز مع وزارة التربية والتعليم ووزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد ووزارة الثقافة والإعلام.

وشهدت جلسات الأمس إشارة إلى شيوع التصنيف السلبي المتمثل في إقصاء الأفكار دون مناقشتها بدلاً من أسلوب الحوار والإقناع، وأن التصنيف في فترة ما يُسمى بالصحوة قاده متشددون يصنّفون غيرهم وفق اشتراطاتهم الشكلية في اللبس والمظهر، وأن التصنيفات اليوم تتجه نحو استقطاب العوام وحشد المنتسبين للأفكار دون أن يدركوا خطرها، وأن التصنيف الفكري قائم على أساس الدين أكثر من قيامه على الفكر، وأن التصنيفات الفكرية في المملكة بعضها متجانس مع مفهوم الدولة وبعضها يقفز فوق مفهوم الدولة. كما تطرق المشاركون إلى أن التصنيف الفكري لا بد أن يقوم على الواقع الذي يثبت الانتماء المذهبي أو الفكري أو الديني أو السياسي، وأن التصنيف الفكري إيجابي فطري بنظرتنا التفاؤلية، وقد يظهر في ثوب السلبية عندما نلبسه بنظرتنا التشاؤمية، وأن التصنيفات الفكرية تحكمها مسلمات ثلاثة: أننا مسلمون ودستورنا الشريعة الثابتة، وأننا مختلفون، وهي تؤدي إلى تقبل الآخرين والتعايش معهم في حوارهم وجوارهم.

وحذر مشاركون من أن خطورة التصنيف تتمثل في الإقصاء والحرمان من الحقوق، وكذلك من أن تستخدم التصنيفات الفكرية أدت إلى سيادة فئة معينة، وإسكات المختلفين. وطالب المشاركون بضرورة سن أنظمة تكفل حقوق الأفراد مواطنين ومقيمين وتجرم التصنيف السلبي، وذلك في محاولة لتعزيز الوحدة الوطنية في إطار التنوع الفكري في المجتمع السعودي، طالب آخرون بضرورة المعالجة الفكرية لأي تطرف أو انحراف فكري بدلاً من المعالجة الأمنية والتجريم واستعداء السلطات "فالفكر لا يُصحح بالقوة".