منذ الخفقة الأولى التي أيقظت سنبلة البحث عن الصوت الأعذب، وعن الترنيمة التي تصلح أن تكون ذكرى حبيبين اجتمعا على صدر الفرحة، وحاولا أن يوثقا مشاعرهما بشيء من "رائه" العذبة التي تخرج "لاما"، فتعيدهما لكل تفاصيل اللحظة الحلم، ومنذ نشأت الأغنية السعودية "المكبلهة" التي خرجت متوازية مع عبقريته اللحنية، ومنذ أنشد للوطن ما عجز عنه الكثير من مجايليه، ومنذ كل ما ذكر كان هو الصوت الذي يطرب، كان حنجرة من ماء، كان صوته بابا مشرعا لمعانقة الحياة، فتستمع لأغنيته مرة وتعيدها مرة أخرى، وفي كل مرة تكتشف أن ثمة نبرة شفيفة لم تتنبه لها.

طلال مداح "الصوت الماطر" لم يخفق في حياته الفنية، حتى وإن ظننا ذلك ذات لحظة ماضية، حينما غنى بعض الأغاني التي اعتقدنا أنها لا ترتقي لمستواه الفني العالي و"العالي جدا"، واكتشفنا لاحقا أن لحنها وكلماتها وصوت مغنيها يتجاوز في أيامنا هذه أغاني الـ"Top10" التي كلما استمعت لها آمنت أنها تمتلك كل إمكانات الإساءة للنوتة العربية وقتل تاريخها المضيء.

طلال استنطق اللحن وألبس المفردة المحلية ثوبا عربيا، فلم يكن محدود نظر ليغرق في غناء اللهجة "صعبة الفهم"، ولم يموسق أغانيه لدائرته الوطنية فقط، بل أيقظ قوافل الحس الذي يستعذبه أي عربي من المحيط إلى الخليج، فصاح به العملاق محمد عبدالوهاب "الله عليك يا زرياب انته يا زرياب".

طلال نقش اسمه على عنق الشمس التي لا تنطفئ.. فكان منا.. وكان فينا "الصوت الذي لم يمت".