دائما أبدا عندما نصف أيا من الأفعال البشعة والمتوحشة نصنفها بقانون الغاب، وذلك لأن الأفعال المتوحشة من فعل الوحوش والحيوانات المفترسة، التي لا تتمتع بما يتمتع به الإنسان من عقل وتفكير، وكثيرا ما تساءل الله - عز وجل - في كتابه الكريم بقوله أفلا يعقلون، وأفلا يتفكرون، وهو سؤال استنكاري، لأن الله قد خص البشرية بالعقل وبالتفكير، وبالتالي لا بد أن يكون له ضمير يؤنبه كما أقره كذلك علماء النفس، حينما قرر فرويد بما أسماه (السوبر إيجو) أي النفس العليا التي تؤنب وتحاسب وتحث على الفضائل. وكما أقره أيضا الفلاسفة المسلمون فيما أسموه النفس اللوامة التي ورد ذكرها في الكتاب الكريم.

ومن هنا تفرد الإنسان بالتؤدة والتفكر وأيضا وهبه الله ما يسمى بالوجدان، والوجدان مركزه المخ، وهو متزامنا بمنطقة التفكير ولذلك فالاضطراب الوجداني يصنف بالذهاني وهو صنف من صنوف الأمراض العقلية.

فلماذا اختص الله سبحانه وتعالى الإنسان بهذه الخصائص ليصطفيه بفضائله على جميع خلقه ممن يعي ويفكر ويتدبر، وبذلك هل يجوز لنا أن نتساءل هل الوجدان، الذي ينضح عنه الضمير، مختص بالإنسان فقط كونه ذا وجدان وعقل وتفكر، ثم لماذا هذا التساؤل في هذا الوقت؟.

وسريعا نجيب بعد أن "وصل السيل الزبى" كما يقال. فإذا ما افترضنا أن للإنسان ضميرا يحركه وجدان يتصل بالعقل ويميزه عن غيره من المخلوقات فعلينا أن نقر ونعترف أنه ليس بحيوان، كونه مكرما من الله - سبحانه وتعالى - على سائر المخلوقات، ولكنه يأبى بشهوانيته إلا أن ينزلق إلى مرحلة أدنى من الحيوان إذا ما فرط في هذا الضمير الذي يجب أن يحاسبه كل مساء، إذا كان إنسانا أما إذا كان أدنى من ذلك فعليه أن يتمادى في أفعاله غير الإنسانية.

أولها أوطاننا الغالية التي يجب أن نفتديها بالعمل الطاهر الحر الأبي، بدون محسوبية وبدون شللية.

أيضا كل من يغش في اللحوم وفي الفاكهة بدهنها بالشمع الضار بالصحة، وكثيرا من الغش التجاري والوظيفي بدون ضمير. والأدهى والأمر من يتآمر على وطنه، حينها ينعدم الضمير وينحدر بصفته إلى صنف ما هو أدنى من المخلوقات، وها نحن نرى ما آل إليه حال وطننا العربي! من جراء المتآمرين والجواسيس والخونة قاتلهم الله.

تعالوا معي لكي نتأمل قصة أسد السيرك المصري وهل كان لديه ضمير يؤنبه حينما أكل صاحبه وسأعرض القصة كما وردت بالفعل دون تدخل مني على الإطلاق. فكثير منا يذكر قصة الأسد الذي اغتال مدربه (محمد الحلو) وقتَله غدرًا في أحد عروض السيرك بالقاهرة.

وما نشرته الجرائد بعد ذلك من انتحار الأسد في قفصه بحديقة الحيوان واضِعًا نهاية عجيبة لفاجعة مثيرة من فواجع هذا الزمن، "فالقصة بدأت أمام جمهور غفير من المشاهدين في السيرك حينما استدار محمد الحلو ليتلَقَى تصفيق النظارة بعد "نمرة" ناجحة مع الأسد الذي كان يدعى "سلطان" وفي لحظة خاطفة قفز الأسد على كتفه من الخلف وأنشب مخالبه وأسنانه في ظهره. وسقط المدرّب على الأرض ينزف دماً ومن فوقه الأسد الهائج.

واندفع الجمهور والحُرّاس يحملون الكراسي وهجم ابن الحلو على الأسد بقضيب من حديد وتمكن أن يخلص أباه بعد فوات الأوان. ومات الأب في المستشفى بعد ذلك بأيام.

أما الأسد سلطان فقد انطوى على نفسه في حالة اكتئاب ورفَض الطعام وقرر مدير السيرك نقله إلى حديقة الحيوان باعتباره أسدًا شرِسًا لا يصلح للتدريب، في حديقة الحيوان استمر سلطان على إضرابه عن الطعام. فقدموا له أنثى لتسليه عنه فضربها بقسوة!!، وطردها وعاود انطواءه وعزلته واكتئابه.

وأخيراً انتابته حالة جنون، فراح يعضّ جسده وهَوَى على ذيله بأسنانه فقسمه نصفين!، ثم راح يعضّ ذراعه، الذراع نفسها التي اغتال بها مدرّبه. وراح يأكل منها في وحشيّة، وظل يأكل من لحمها حتى نزف ومات واضعًا بذلك خاتمة لقصة ندم من نوع فريد. ندَم حيوان أعجم عرف معنى الضمير وأصاب منه حظًّا لا يصيبه الآدميون!!"، ورد ذلك تحت مسمى أسدٌ قاتل أكل يديه الآثمتين.

فهل آن الأوان أن كل من قتل البشرية بالتآمر والتكتيك الدبلوماسي وصناعة الأخبار "المفبركة" أن يأكل بعضه تكفيرا عما أصاب البشر في غفوة الضمير.

يقول طارح هذه القصة إنه (درسٌ بليغ يعطيه حيوان للمسوخ البشرية التي تأكل شعوبًا.. وتقتل ملايين في برود على الموائد الدبلوماسية وهي تقرع الكؤوس وتتبادل الأنخاب!!

وبمناسبة كلمة المسوخ البشرية، كنت قد كتبت مسرحية بعنوان "المسخ" وذلك عام 1994 وعرضت على مسرح الشباب بالقاهرة وأحدثت ضجيجا إعلاميا وكانت من إخراج "أشرف عزب". موضوع هذه المسرحية أن رجلا بسيطا هرب إلى حديقة الحيوان من سطوة البشر، فهو يرى أن الحيوان أكثر أمنا وأمانا من "البني آدميين" حينها أتى إلى الحديقة فريق دولي ليشتري القرد ولكنه يخبرهم أنه أكل هو والقرد برتقالة وبعدها مات القرد. فما كان من الهيئات والمؤسسات والأطباء النفسيين وكل من له سلطة على هذا الرجل إلا أن عذبه لكي يعترف أنه قتل القرد وأكل أعضاءه. وحينما نزع لسانه ثم رأسه، ثم كل شيء فيه حتى تحول إلى مسخ، وهنا تحضر اللجنة الدولية لتشتريه في صفقة غير مسبوقة ويطلب أن تصنع منه مليون نسخة وكل نسخة حسب لون العلم المطلوب.

إن مسخ البشر وتجريدها من حقوقها التي أعطاها إياها رب العالمين ما هو إلا بصنع أيدٍ لم ولن تصل إلى ما وصل إليه أسد السيرك من الضمير الحي الذي جعله يأكل ذراعه الآثمة.