حين يدور النقاش بين النخب يكون الحوار مباشرا وصادقا وتشخيصيا للعلل أحيانا ودون مواربة. في لقاءات المثقفين دائماً ما يكون هذا السؤال مطروحا وبقوة، هل المجتمع والحكومة جاهزان لتجربة انتخابات مجلس الشورى؟! هل تم التسويق بشكل كامل وجيد ومدروس لثقافة التصويت. هل نؤمن حقيقة بالانتخاب ويعطى صوت الناخب للمرشح بناء على جدوله الانتخابي أم بناء على معايير أخرى كالعصبية القبلية والقدرة المالية للمرشح الخ؟
الوعي الجمعي ربما لم يتشكل بصورة تليق بتطبيق هذه التجربة كما يعتقد البعض بل إن منهم من ترسخ في ذهنه أن الحكومة تسبق الشعب تطورا بمراحل كثيرة، وأن العائق هو ذهنية الشعب الذي تغلب عليه قبلية التفكير وقبلية التدبير. التجربة الانتخابية في المجالس البلدية كانت إلى حد ما ناجحة رغم قلة الإنجازات النوعية إلا أنها خطوة تحسب لنا في مسيرة التنوير التي يقودها الملك الصالح خادم الحرمين - يحفظه الله - منذ بداية عهده الزاهر.
مجلس الشورى بتركيبته الحالية على الرغم من كونه يضم مجموعة مميزة من الكفاءات الوطنية إلا أنه لم يقدم المأمول منه ولم يصل لتطلعات المواطن، خاصة جيل الشباب هؤلاء الذين أشرفوا على نهاية الثلاثينيات وبداية الأربعين ويفترض أن يكون عماد الوطن عليهم. البعض يعتقد أنه رغم قناعته أن عضو الشورى المعين كفء ومؤهل إلا أن هناك شعورا داخليا إنه لا يمثلني ما دمت لم أعطه صوتي ولم أنتخبه لكي يكون ممثلا عني أمام الحكومة.
التجربة النسائية في مجلس الشـورى وإن كانت خطوة داعمة لإيصال الصوت النسائي، إلا أنها كانت تحتاج لمزيد من الدراسة، وقد تم الدفع بالمرأة لتصبح عضو شورى وربما توزيرها في مراحـل لاحقـة وهـي المرأة ذاتها التي ما زالت تحتاج إنهاء إجراءات استخراج جواز سفر لها دون تفويض من الرجل حتى وإن كان مراهقا صغيرا، ولم تستطع حتى الحصول على حق قيادة سيارتها بنفسها، برأيي كان يجب أن تحصل المرأة على حقوقها أولا ثم تتبوأ مقعدها في الشورى. النموذج الكويتي في انتخابات مجلس شوراهم "مجلس الأمة" غـير مشجعة وأصبحت عائقا أساسيا للتنمية هناك وربما أضرت تلك التجربة الديموقراطية أكثر مما نفعت، فهل درسنا المشهد الكويتي إن كانت لدينا نوايا أن نصبح ديموقراطيين ونؤمن بثقافة التصويت والانتخاب.!!
فكرة انتخاب نصف أعضاء مجلس الشورى بشكل مبدئي أعتقد برأيي أنها أصبحت ضرورة ملحة ويفترض أن تكون امتدادا طبيـعيا لانتخابـات المجالس البلديـة. المسيرة "العبدلية النهضوية التطويرية" التي يقودها الملك الصالح وطاقمه تسير بشكل جيـد وفعال وتحتاج من الإعـلام لأن يباركها ويدعهما المثقفون من أجل أن يسهم العمل الجـمعي في وصولنا لمصاف الدول المتقدمة بشكل أسـرع.
ثقافة الانتخاب والتصويت تبدأ من حرية القرار في الخيار والاختيار في المنزل والمدرسة وجلسات الأصدقاء، وتلك بذرة يجب أن تكون محل عناية المثقفين لتنمو في عقلية الجيل الحالي.
البرلمان الحقيقي له حق استدعاء أي مسؤول حكومي ومحاسبته وليس فقط دعوته لتقديم تقرير ثم شـرب الشاي وبعض الصور الفوتوجرافية للذكرى كما يحدث في عالمنا العربي، أعتقد أن عضو البرلمان حين يكون منتخبا يعلم جيدا أنه لم يقدم لي كمواطن ما أطمح إليه أو أخل بوعوده في حملته الانتخابية لن أعطيه صوتي ثانية. أعتقد أيضا أن العضو المنتخب سيتحرر من البيروقراطية التي يفرضها التعيين وسيظهر بمسؤوليـة مجتمعية أكـبر.
يظل السؤال الذي نطرحه عبر الوطن حين الحديث عن ثقافة الانتخاب هل المواطن السعودي جاهز فعلا للعبة الديموقراطية ويعي تبعاتها، وهل سيكون انتخاب المرشح في قادم الأيام بناء على الجدول الانتخابي، أم على قبيلة المرشح ومذهبه وتياره الفكري؟ منجزات الوطن كثيرة ورائعة ومن واجب الفاعلين في المشهد المحافظة عليها والتخطيط للامتداد الطبيعي للمراحل القادمة. وطني يستحق أيها الأحبة.