تشارلستن مدينة في ولاية كارولاينا الجنوبية في الولايات المتحدة الأميركية. وهي ثاني أكبر مدينة في الولاية بعد عاصمتها كولومبيا، وقد سميت بهذا الاسم تبعا لاسم الملك تشارلز الثاني ملك إنجلترا.
زيارتي لها كانت تجربة مختلفة، لعدة أسباب أهمها: تاريخها الغني بالعنف والدماء والاستعباد، حيث كانت بداية الحرب الأهلية في الولايات المتحدة الأميركية، التي من أهم أسبابها ـ إن لم يكن السبب الوحيد ـ هو مكافحة العبودية، في عام 1858، أبدى لينكون في تقريره رغبته في "منع العبودية من الانتشار، ووضعها في ذهن الجمهور، على اعتبار أنها ستنقرض"، وهنا بدأت الأزمة بين الولايات الشمالية التي كانت تستاء من تأثير سلطة الرق على الحكومة، والولايات الجنوبية التي كانت تخشى من فقدان سيطرة الحكومة الفدرالية على قوات مكافحة العبودية.
بمعنى آخر، إن هذه المدينة شهدت قصصا لن تتمنى أي مدينة أخرى الوقوف عليها، وفي حديثي مع بروفيسور متخصص في تاريخ الأفارقة في الولايات المتحدة، أكد أنه حينما أخذ يسجل قصص الأحياء ممن عاصروا فترة العبودية، لم يكن يتخيل مدى ا?لم واللا إنسانية التي كانوا يعاملون بها، ومن شدة قسوتها لم ينشر أي منها إلى يومنا هذا، حيث قال جملة لن أنساها أبداً: "إن الحيوانات كانت تعامل بشكل أفضل"!
سرحت بي هذه الجملة، وشعرت بأن ما يروى لي هو عبارة عن ديجافو (Déjà vu) أو ديجا?و، وهي كلمة فرنسية تعني ظاهرة: "شوهد من قبل"، أي "الشعور الذي يشعر به الفرد بأنه رأى أو عاش الموقف الحاضر من قبل، أو التجربة السابقة التي يُهيأ لنا بأننا عشناها".
فكل ما تبثه قنوات ا?خبار من العراق أو أفغانستان أو سورية، ما هو إلا "ديجافو"، وعلى كثرة ما تحوي مدينة شارلستون من جمال، على كثرة ما تحمل من ألم وحزن وغضب، كما هو الحال في العراق.. العراق الذي سأل الإمام الشافعي يونس بن عبدالأعلى عن عاصمتها قائلاً: هل دخلت بغداد يا يونس؟
قال: لا. رد الإمام الشافعي قائلا: يا يونس ما رأيت الدنيا، ولا رأيت الناس.
هو نفسه العراق الذي أطلق عليه الشاعر نزار قباني مدينة الحب قائلا:
مدينة الحب أمشي في شوارعك
وأنا أرى الحب محمولا بأكفان
يا لوعة القلب، أخذت شكل مقبرة
وأهل بيتي استعاروا حقد عدواني
حدائق الحب، لا ورد ولا شجر
وما البيوت سوى ثكنات سجان
كأنني البوم أنعب في خرائبك
ودمعة الذل تلمع بين أجفاني
لا تصدموني، أهذا الكهف منزلنا؟
وهو الذي كان منية كل إنسانِ
أهذه النخلة الجرباءُ نخلتنا
وهي التي أمس من أشجار رضوانِ؟
أهذه الضحكةُ الخرساء ضحكتنا
أفعالنا تلك أم نزوات شيطانِ؟
أهذه الأسقفُ النيران تحرسنا
يا سادة البيتِ هل ضيعت عنواني؟
هل ما يحدث في العراق ا?ن "ديجافو" نزار قباني؟!
فلندعوا جميعاً للعراق وأهله:
اللهم إني أستودعتك الموصل والأنبار وسامراء وديالى وأهلها، وبغداد و"ذي قار" والبصرة والواسط ونينوى والسليمانية ودهوك وكركوك وميسان والنجف وكربلاء وبابل وأربيل والسماوة وأهلها، اللهم احفظ العراق وأهله أمنها وأمانها، ليلها ونهارها أرضها وسماءها فاحفظها ربي من كل سوء ومكروه، اللهم إنا نستودعك رجالهم ونساءهم وشبابهم وأطفالهم يا من لا تضيع عنده الودائع.