لم يتحامل العرض المسرحي بالشكل الذي نراه اليوم على مكوناته كذلك التحامل على النص وكاتبه، إذ إن كثيرا من الأعمال التي يحفل بها مشهدنا المحلي لا تؤمن بفاعلية النص، فيكون اعتمادها على "المادة النصية" لا النص المسرحي، وعلى الثيمة أو الإشارة أو الرمز وليس التنامي والأحداث المتصاعدة والحوارات المتآزرة المجدولة، فيعمل مخرج العمل على مكون السينوغراف واضعا النص جانبا بعد أن أخذ عنه لبّه وجوهر فكرته، وفي هذا خيانة جلية للبصيرة التي ينبغي أن تكون المؤدّى من العمل برمته كونه يبعث رسالته ومبرر اشتغاله.

لا تزال أعمال الشباب في مسرحنا السعودي مملوءة بالصراخ والعويل بل الضجيج غير المستساغ وغير المتكئ على ما يدعمه في سياق العمل، ناهيك عن السوداوية التي تغلق أمام المتلقي كل أبواب التعاطي مع المنجز أو تحليله أو مجرد التفكير في علائقه وتفاعلاته الداخلية، والواقع أن انحسار النص المسرحي عن المسرح بدأ مع ظهور المسرح التجريبي وما تفرع عنه في أوائل القرن العشرين ليُعلن آنذاك موت النص المسرحي، لقد كان الكاتب قبل هذا هو المخرج ومدير الفرقة قبل ولادة المخرج بصورته الاصطلاحية أو التنفيذية في القرن العشرين.

بل إن مخرجين كثرا أعلنوا في العقدين الأخيرين من القرن العشرين عدم حاجتهم إلى نصوص مجددة كما يذكر فرحان بلبل في كتابه "النص المسرحي بين الكلمة والفعل"، بل تعدوا إلى أنه بإمكان "أي كلام" مهما كان ضعيفا أن يحقق الإبداع في العرض المسرحي لتأتي التقنية بعد ذلك فتقدم جهودها وصرعاتها المتوالية، فتنحي النص جانبا وتعمل على الإبهار البصري لتتراجع اللغة المفكرة التي يقدمها النص المسرحي لو كان ماثلا، وليذوي العطاء اللغوي المشخّص للحالة ولتبقى الأصوات والأضواء و"الماكياج" عناصر العمل الرئيسة.

لقد حضرتُ عروضا مسرحية لم تكتب لها نصوص فلا تتجاوز نقاطا أو خطوات تسردها الورش ومجموعات العمل المسرحي ثم تبدأ في تشخيصها على المسرح لتتشكل المسرحية تدريجيا، ومع أن بعضها نجح متكئا على مسرح "الفارس" إلا أن وجود نص مسرحي مكتوب قبلا وفي ظروف معينة ثم يخضع إلى الرؤية البصرية "بوصفها كتابة موازية" من لدن المخرج، لهو أجدى وأنفع للعمل نفسه وللكاتب ثم للمشهد الإبداعي برمته.