التفويض الإداري هو تفويض جزء من السلطات أو الصلاحيات من الرئيس الإداري إلى معاونيه أو مرؤوسيه خلال فترة محددة، وفي نظام الخدمة المدنية هناك لائحة خاصة تتضمن قواعد وضوابط التفويض في الجهات الحكومية.
ويهدف تفويض الصلاحيات بشكل عام إلى تخفيف عبء العمل على الرئيس الإداري بحيث يتفرغ لمهام أكثر أهمية، بالإضافة إلى ضمان سير العمل وخلق صفٍّ ثانٍ من القيادات الإدارية.
والتفويض بذلك أسلوب لتوزيع السلطة الإدارية وتقليل التركيز الإداري، ولكن في بعض الجهات الحكومية يحدث العكس، إذ تتركز جميع الصلاحيات ضمن اختصاصات مدير إداري واحد، وبشكل شمولي، فإذا كان علماء الإدارة يقولون بأن: "الأصل في التفويض أن يكون جزئياً، وذلك نتيجة أن الاختصاص هو وظيفة، وليس حقاً، أو امتيازاً شخصياً حتى يتنازل الرئيس عن ممارسة اختصاصه لغيره، ولذا فإذا جاز التفويض.. فإنه يلزم أن يكون في مسائل معينة، أما التفويض الشامل فإنه يكون تخلياً من الرئيس عن اختصاصه".
وفي بعض الجهات، يتخلى الرئيس عن اختصاصاته، بل وعن مسؤولياته مع أن المسؤولية لا تفوض، فقد يجد الرئيس الإداري في ذلك المرؤوس المفوض إليه الصلاحيات غطاءً لممارساته الفاسدة وغير المشروعة، وحتى لا تطاله المساءلة، وبالطبع فإنه يكون هناك ارتباط وثيق بين المرؤوس ورئيسه في مثل هذه الحالات، وربما كان هذا المرؤوس هو الوكيل الخاص أو بعبارة أخرى السكرتير الخاص لمرجعه المباشر، الذي يقدم له التسهيلات المالية المطلوبة أو التغطية على تجاوزاته غير النظامية.
ونتيجةً لهذا التفويض الشامل والجائر لصلاحيات الرئيس، ينقلب التفويض الإداري إلى نقمة وفوضى إدارية تسفر عن نتائج لا تحمد عقباها، فيبدأ هذا المدير بالسلطات المفوضة إليه بتجميع خيوط العمل ليحركها كيفما يشاء، فقد ترك له الرئيس الحبل على الغارب يفعل كما يحلو له وليس عليه رقيب!.
فيبدأ بمعاملة الموظفين كمعاملة المعلم لطلابه في المدارس الابتدائية، فعلاقته معهم تكون على أساس النظرة الدونية والطفولية إليهم، خاصةً الموظفين من جيل الشباب، فيعتمد على التوبيخ والصوت العالي عند إعطاء الأوامر، ويتعمد الإساءة الشخصية إليهم، والتلويح دوماً بالتأديب والعقوبات بحقهم، ولو كان بإمكانه أن يستخدم العصا لاستخدمها لجلدهم.
ويكون تعامله مع الشباب المؤهل خاصةً من الذين يحملون درجة الماجستير أكثر سوءاً وقسوة، فهو قد يشعر أن أمثال هؤلاء هم بداية سحب البساط من تحت قدميه، فقد يحتلون مكانه، ويزيحونه عن منصبه، وللسبب نفسه فإن أمثال هذا المدير يميلون دائماً للمركزية ولا يفوضون صلاحياتهم، كما أن بعضهم يسعى للحصول على المؤهلات العليا ولو بطرق ملتوية بسبب أنهم يستأثرون بكل صلاحيات الجهة، فلا وقت لديهم للدراسات وإجراء البحوث وحتى يصعدوا في الدرجات العليا في السلم الوظيفي.
وفي ظل عدم التفويض والمركزية، فإن هذا المدير يتدخل في كل صغيرة وكبيرة في أعمال الإدارة، فحتى الاستئذان أو الإجازة المرضية، فلا بد من أن يتكالب الموظفون على مكتبه لأخذ الموافقة الشخصية منه قبل موافقة رئيسهم المباشر، والدخول عليه فرادى وبالطبع فإنه يتلذذ في إهانتهم ومساومتهم في حقوقهم، والأمر لا يخلو من فذلكة وسخرية وتهديد، فهذا الأمر يزيد من سعادته ويشبع غروره، ناهيك عن تعطل سير العمل في حال غيابه.
وربما يستغل هذا المدير صلاحياته الواسعة أيضاً في تكوين علاقات ومصالح خارجية جديدة، من خلال تعطيل معاملات الموظفين الداخلية، مثل النقل من الجهة إلى جهة حكومية أخرى، فيقوم بتعطيلها والقول بأن مرجعه المباشر أو رئيسه الإداري قد رفض هذا النقل، وبالتالي فإن الأمر يتطلب شفاعة وواسطة يجب أن يقدمها الموظف طالب النقل.
بالإضافة إلى ما سبق، فإنه يكون هناك انحراف في استعمال تلك السلطات قد تتمثل على سبيل المثال، في استغلال صلاحياته في تقريب موظف من معارفه أو ممن تربطه به مصالح خاصة بدل موظف آخر، حتى ولو لم يكن مؤهلاً لتلك الوظيفة، ويعطي الفرص لمن يشاء، ويوصدها أمام الجادين والمؤهلين.
أما بالنسبة لأقران المدير من القيادات الإدارية الأخرى، فقد كانت معاملته لهم سيئة، ويتعمد تهميشها وتنفيرها بكل الأساليب الممكنة وربما تدخل في تعجيل أو تأخير ترقياتهم لارتباطه الوثيق بالرئيس الإداري، فإذا لم يتقبلوا هذا الوضع وشكوه إلى مرجعه المباشر، فإنهم يعودون دائماً بخيبة الأمل، فهذا المدير ينفرد انفراداً كاملاً بإدارة الجهة، كما أنه يستأثر برئاسة أو عضوية اللجان الدائمة أو المؤقتة، وفي الغالب لا يحضر اجتماعات هذه اللجان، ومع ذلك يعطي انطباعاً للآخرين بأنه منغمس فيها ولا يجد وقتاً لأداء الحد الأدنى من واجبات وظيفته، بالإضافة إلى هذا الكم الهائل من الأعمال الشاقة، فإن لديه أعمالا أخرى أكثر مشقة، تستدعي السفر والانتداب إلى إحدى الدول الأوروبية!.
وفي ظل هذه البيئة الإدارية غير السليمة، فإن أكثر الموظفين يتركون العمل طوعاً أو كرهاً، خاصة الأكفاء والجادين منهم، حتى الموظفين الجدد كان مصيرهم مثل هؤلاء، وبالتالي فإن أكثر الموظفين لا يستقرون في العمل إلا فترة وجيزة، والبعض الآخر يأتي للدوام لقضاء وقت الفراغ باللعب على الحاسب الآلي، وآخرون يقومون بممارسات انتقامية تعبيراً عن سخطهم على الإدارة التي يعملون بها، فيضيع المال العام، وتقل إنتاجية الجهة وتسوء خدماتها وتصبح في أدنى مستوياتها.
والسر في هذا الفساد هو أن المدير ذا الصلاحيات والسلطات الواسعة يمارس عددا من الأعمال الخاصة، مثل تأجير العقارات، أو ينشئ علاقات مع المقاولين الذين تتعامل معهم الجهة، والسؤال المطروح هنا: من المسؤول عن مراقبة تفويض الصلاحيات في الجهات الحكومية؟ وما دور "نزاهة" في مثل هذه الحالات؟