عندما تمكن المجاهدون الأفغان في نهاية الثمانينات من طرد الجيوش السوفيتية من أراضيها، كان الجميع يعلم أن الدعم الدولي والإسلامي لتلك الجماعات أسهم بشكل رئيس في تمكن مجموعة من الثوار البسطاء من هزيمة جيش جرار، كان يُعد إلى حينه أحد أقوى جيشين في العالم، وبذلك انتهت أسطورة استحالة تغلب محاربي الشوارع على جنود يتبعون مؤسسة عسكرية ذات نظام وتجهيز عاليين.
حروب العالم العربي التي تدور أحداثها اليوم، هي كذلك بين مجموعة من الثوار وجيوش منظمة تتبع دولا، بل تتبع كيانات سياسية اختطفت بفعل الظروف ولاء القادة، وغيرت أجندتهم من الدفاع عن المواطن، إلى محاربة المواطن وحماية الأنظمة السياسية لا الدولة ذاتها، إذ نرى ذلك جليا في كل من سورية والعراق.
الفرق بين الحالة الأفغانية والحالة العربية اليوم، يكمن في عدد من المتغيرات السياسية والاستراتيجية، التي تدفع جموع الثوار لمحاربة هذا النظام أو ذاك؛ ففي الحالة الأفغانية كانت هناك خلافات بين الأحزاب والجماعات العسكرية المختلفة حيال الكثير من القضايا السياسية والفكرية، إلا أنها ـ ورغم ذلك ـ اتحدت في مواجهتها للعدو المشترك، وتركت خلافاتها لمرحلة ما بعد تحقيق الانتصار، وهو تماما ما حدث بعد ذلك، مما أتاح لجماعة طالبان إثر استفحال الصراع المحلي الدخول للعبة السياسية والعسكرية، وهزيمة جماعات المجاهدين المتحاربة والإمساك بالتالي بالحكم، وبقبضة من حديد.
أصحاب المصلحة الوحيدة مما يحدث اليوم ـ دون شك ـ هما النظامان السوري والعراقي، اللذان تمكنا من تفتيت المعارضة من جهة، وكسب تعاطف سياسي عالمي يهاب أي مظهر لما يمكن وصفه بالإهاب، وذلك بعد أن خلقت جماعة إجرامية كـ"داعش" الدموية، التي لا يمكن لها أن تكتسب تعاطفا شعبيا بين الشعوب العربية بقدر قدرتها على جمع أكبر قدر ممكن من المجانين وأصحاب المشكلات النفسية العرب والمسلمين، واستغلالهم كوقود إعلامي وسياسي يخدم هدفهم الكامن في تفتت المعارضة من جهة، ومن جهة أخرى جعل النظام في عين العالم ضحية لإرهابيين صنعوا في دول معادية.
بعد ذلك، هل لدى أي منا شك في أن العرب هم أذكى شعوب الأرض في إيجاد وسائل التدمير الذاتي؟!