وصف الناقد البحريني محمد الخزاعي ترجمة عبدالله جمعة "رئيس أرامكو السابق" لملحمة جلجامش بأنها من أفضل الترجمات التي مازجت بين الشعر المرسل والنثر الشعري الجميل، فيما ذهب الناقد الدكتور سعد البازعي إلى أن جمعة أراد أن يؤكد دلالة الترجمة على القراءة وقد أحسن صنعا، لكنه أيضا يشير إلى علاقة نصه المترجم بنصوص أخرى مترجمة للعمل نفسه، فقد حضرت الملحمة إلى العربية في عدة نصوص سابقة.

وبرر جمعة ذلك خلال الاحتفاء بالكتاب مساء أول من أمس في فرع جمعية الثقافة والفنون بالدمام، بأن سعيه مختلف، فترجمته تستمد خصوصيتها من بلاغة القرآن الكريم تارة، ومن توسل روح الشعر العربي تارة أخرى، ومن جزالة اللغة الأدبية الموروثة، لتصبح الترجمة أو القراءة مشروعا، في إضفاء روح الثقافة العربية على العمل الموغل في العراقة السامية القديمة، على حد قوله.

وأضاف جمعة: ربما كانت ترجمتي بتصرف فيما يمكن أن نطلق عليه "الترجمة الخلاقة" التي لا توحي عند قراءتها بأنك أمام عمل مترجم. فهي تختلف عن ترجمة طه باقر وترجمة أندرو جورج.

وفي الأمسية التي استهلت بعرض مسرحي قدمه الفنان راشد الورثان، مجسدا حكاية جلجامش في عدة مشاهد، من إعداده، تحدث مصمم الكتاب كميل حوا عن صناعة الكتاب، لافتا إلى أن الخط المصمم ليكون ثيمة الملحمة متوحى من الكتابات السومرية، فيما نفذ الرسومات الفنان السوداني عمر صبير، وصمم الخط الفنان مأمون أحمد.

وتناول الناقد الدكتور سعيد السريحي الأسطورة في الثقافة الإنسانية، ذاكرا أن جلجامش يمثل أسطورة بوصفها نصا يرصد موت الإنسان، وتاريخا بوصفها نصا يدون ولادة اكتشاف الإنسان لبشريته، أسطورة إن كان لا بد من أن نعدها كذلك غير أنها خاتمة الأساطير، وتاريخا إن كان لنا أن نعدها كذلك، غير أنها فجر ولادة التاريخ ، تاريخ يروي تغريبة إنسان يكتشف مواطئ قدميه على الأرض ويحلم بأجنحة تعيده إلى سماء أخرج منها.

وفي نهاية الأمسية التي قدمتها ناهد الأحمد، التحق الحضور بعبدالله جمعة لتوقيع الترجمة الذي ذهب ريعها لصالح برنامج القارئ الصغير الذي تنظمه "فنون الدمام" للأطفال، وصاحب التوقيع عزف على آلة القانون لعبدالعزيز أبوالسعود وآلة "التشلو" لحمد خليفة.


المهندس الذي فتنته "القصيدة السومرية"

ربما يحق للمرء أن يتساءل عما يجعل مهندس البترول والرئيس التنفيذي لأكبر شركة نفط في العالم أن يقبل على ترجمة ملحمة جلجامش. ستتبدد دهشة السائل عندما يعلم أن نظام التعليم الجامعي الأميركي يتيح للطالب، خصوصاً في السنتين الأولى والثانية قبل التخصص في علم من العلوم، أن يختار ويدرس من مواد العلوم الإنسانية والاجتماعية ما يشاء. جمعة اختار دراسة هذه الملحمة عندما كان طالباً بالجامعة الأميركية في بيروت، وظلت في ذاكرته طوال هذه السنين ليقدم على ترجمتها فيما بعد.

أنصت الحضور لجمعة وهو يروي تجربته مع الترجمة قائلا: أعدها قراءة خاصة تعود إلى أدراج دراستي، حين كان الهدف من حضور دورتين دراسيتين في العلوم الإنسانية تعنيان بتطور الفكر الإنساني، وتشملان موضوعات تتنوع بين فلسفة وأدب وفن، هو أن يلم الطالب مهما كان تخصصه، بمعارف تغتني بها روحه وتتسع بها آفاقه.

كان من بين الكتب التي قررت علينا في الدراسة آنذاك كتاب عن ملحمة جلجامش وهي القصيدة السومرية الشهيرة التي يعدها البعض أقدم النصوص الأدبية المكتشفة أو من أقدمها.

وعندما تخرجت وعملت في أرامكو السعودية وأثناء مهمة عمل عام 1970 في المدينة النفطية بقيق بدأت ترجمة هذه الملحمة إلى العربية، وما دفعني لذلك هو أنني تأثرت كثيرا بالأبعاد الإنسانية لهذا العمل الأدبي، ثم إنني شعرت بأن هذه القصيدة الملحمية التي كتبت باللغة السومرية أصلا لا بد أن تكون كتبت بلغة شعرية راقية. وبعد ترجمة النصف ابتعدت عقدين لأعود في 1996، وأعدت كتابتها قرابة العشر مرات.

جمعة كرر كثيرا وهو يتحدث: "ترجمتها لنفسي"، وطبعت منها 100 نسخة للأصدقاء، حتى نشرها للجمهور عبر المحترف السعودي.