"كان عليّ أن أبدأ بمواجهة ثقافة الإحباط؛ لأنها تمثل العائق الأكبر أمام مشروع بناء الإنسان، ولا يواجه الفكر إلا الفكر، ولا شك أن هذه الثقافة هي سرطان التنمية ومن أعظم آفاتها، وإذا ما تفشت في أي مجتمع، فإن مشروعه سوف يطاله الإحباط بالشلل والعطل".

هكذا تحدث الأمير خالد الفيصل في كتابه الأخير: "بناء الإنسان وتنمية المكان"، وأظن أن محور هذا الكتاب أو قاعدة الانطلاق لعمل الأمير هو هذه الفكرة "ثقافة الإحباط" والانتصار عليها، وتحويلها إلى ثقافة المبادرة والأمل في تحويل الانكسار إلى استقامة، والكسل إلى نشاط، والانعزال إلى إقبال على الحياة، كما هو جوهر ديننا العظيم.

أعجبني الكتاب، ليس في لغته الأدبية الواضحة، ولا في بلاغيات شاعر يعرف جيدا كيف يجذبك من أهدابك لتنام عميقا على حروفه، ولكن لأن الكتاب يقدم توثيقا للعمل والمنجز قبل أن يكون كلاما وتنظيرا.

نحن تعودنا من المسؤولين أو القادة أن يبدؤوا في الكلام ورسم الخطط، وإعلان تصوراتهم للعمل المقبل، فيقولون سنعمل وسنعمل وسنكون وسنفعل هكذا وهكذا إلى آخر هذه السين التي لعبت في حياتنا ونكبتها أحيانا، لكن خالد الفيصل لم يقل ذلك، بل عمل وبنى أولا ثم وثق أفعاله لا فخرا ولا كبرياء ولا تباهيا، ولكن ـ فيما أعتقد ـ أنه يريد أن يقدم تجربته الإدارية والفكرية للواقع الإداري والحياتي في مجتمعنا؛ ليتم الاستفادة منها والعمل على المضي نحو المستقبل بثقة العمل والإنجاز قبل ثقة الكلام والتنظير وأحلام الهواء.

تجربة خالد الفيصل في مكة ـ التي وثقها كتابه ـ وكيف نرى المنطقة الأقدس والأجمل اليوم ومنذ استلام سموه مقاليد إدارتها، قد تحولت إلى ورشة عمل لا تنقطع ولا تهدأ ولا تتوقف لحظة، هي تجربة يجب أن تحتذى؛ لأنها تجربة ميدان وعمل لا تجربة كلام ومنابر أو محاضرات، محاضرة خالد الفيصل كانت حركة في الواقع سجلها كما هي في كتابه المهم المليء بالعبر والدروس لكل مسؤول يريد أن يصل إلى الشمس.

انطلق الأمير خالد الفيصل في منجزه طوال تاريخ عمله سواء في إمارة عسير ثم مكة وأخيرا وليس آخرا في وزارة التربية والتعليم، من قدوة كبيرة وشاهقة هي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، حفظه الله، ألم يقل أبو بندر بعد صدور الأمر الملكي الكريم: "إنها أغلى ثقة.. من أكبر رجل.. في أقدس بقعة"، هكذا يصبح الملك عبدالله هو سر هذا التميز الذي صنعه الأمير خالد طوال تاريخه الإداري الكبير، سواء منذ بدايته في أبها ثم مكة، وهو سر التميز المنتظر في المرحلة التعليمية المقبلة التي ستشهدها بلادنا على يدي أمير مثقف ونبيل، لا أشك لحظة أنه قادر على إصلاح كل "خللات" التربية والتعليم في بلادي، التي تراكمت أخطاؤها إلى أن عششت كالعناكب في جسد أهم وزاة، لأنها ـ أي وزارة التربية والتعليم ـ هي مفتاح المسـتقبل والعـالم الأول الذي يحـلم بـه الأمـير، وسـنصل إلـيه حـتما بالمزيـد من الشفافية والمواجهة والعمل.

يقول الأمير خالد بعد احتضانه لشباب مكة، وليس قبل ذلك طبعا، يقول: "أعترف بأن الشباب هاجسي، ليس لأنني شرفت بخدمتهم في مستهل حياتي العملية فحسب ـ كما أسلفت ـ بل لأنه الواجب على كل مسؤول بدءا من ولي الأمر في الأسرة، إلى كل من ولي أمرا يخصهم مباشرة أو بالتبعية، وبذلك فإننا ـ جميعا ـ عن الشباب مسؤولون.

إن الحاضر الذي نصنعه اليوم إنما هو لهؤلاء الشباب، فيجب أن يكون لهم فيه رأي وسهم؛ لأنهم المسؤولون عن البناء عليه غدا، والأجدى أن يكونوا على دراية وشراكة بمرجعياته".

هذا رجل يستحق التحية والمحبة والاحترام؛ لأنه يؤمن بشراكة المجتمع الشاب في بناء المستقبل وتنمية المكان والحياة، وهو إيمان لم يقله الأمير خالد في الهواء، بل إنه دعم شباب منطقة مكة وحاورهم وناقشهم أولا، ثم حوّل كل الطاقات السلبية التي في داخلهم إلى طاقة حياة مضيئة، تجلت في تطوعهم في كارثة السيول وفي المشاركة بآرائهم وتصوراتهم ورؤيتهم للمستقبل غدا.

الآن.. الأمير خالد يقف على هرم وزارة التربية والتعليم، وتحت يديه المستقبل، لكن رجلا بهذا الفكر الحر الصافي النظيف، وبهذا الاتقاد والحيوية في العمل والإنجاز والرؤية الكبيرة والمتجاوزة، لن نخاف على مستقبلنا بين يديه.