قد يقال عن سارة "أبو شعر"، في مقطع اليوتيوب، وهي تلقي خطاب الطلاب الخريجين من جامعة هارفرد، أنها خرجت هكذا بفضل امتياز ظروفها العائلية، والتي مكنتها من أن تكون هذه الشخصية، بمعنى أنها ابنة والدين منفتحين ومتعلمين، ونشأت في حال اعتباري خاص، وتلقت تعليماً نوعياً، لا يتلقاه الملايين في طول الوطن العربي وعرضه، وأخيراً كان لها، بفضل هذا التأسيس الأسري والتعليمي المختلف، أن تكون مؤهلةً لدخول عالم جامعة هارفرد، والذي كانت كلمتها تدور حوله، وحول أثر تلك الجامعة في نفسها، والذي وجدت فيه المثال لتعيش معنى كونها إنساناً ينظر إلى نفسه بوصفه يملك القدرة على التأثير في واقعه، بل وفي العالم كله. وقد يكون بعض ما في هذه الـ"يقال" صحيحاً نسبياً، أما ما هو واقع فلم يعد بالإمكان تجاهله ولا القفز عليه أبداً، إن سارة وجيلها العشريني، ومن سيأتي بعدهم، يحملون فكرة أخرى عن الحياة والعالم، عن كينونتهم ووجودهم، وأن هذه البلدان، العربية بالذات، في ورطة الاتكاء على خطابات التخلف الرسمية القامعة، التي لم تعد فقط مقنعةً بأية حال لهذه الأجيال، بل محطّ سخريتها ونقمتها، والارتداد عليها.
كثير مما قالته سارة أبو شعر، في خطابها، وفي حوارها في جريدة الشرق الأوسط، الاثنين 16/ 6/ 2014 هو ذاته، وإن اختلفت مستويات عمقه، وطريقة صياغاته وتعبيراته واتجاهاته، بما في ذلك العنيفة والمؤدلجة، هو ذاته ما يحمل سؤاله الوجودي الملايين من الفتيات والشبان العرب اليوم، وهو ما تعجّ به مواقع الإنترنت من الغضب وانعدام الرضا العارم!. الفتاة التي ملأتنا بالفخر وهي تقول كلمتها في هارفرد، وترى أن بوسعها أن تغير العالم، توازيها هناك، وفي نفس عمرها، فتاة في بلد عربيٍ ما، تنتج فيلماً مفزعاً عن الفقر، أو شاب في بلد عربي آخر يحصد جائزة عالمية، أو شابة في بلد عربي تقود حملةً ضد العنصرية.. الخ، وكذلك أيضاً يوازيها شباب في بلدان عربية أخرى يطيرون إلى الحروب في سورية والعراق.. وغيرها. إذا فالأمر ليس حالة خاصة وشخصية، ليس عائلة، وليست أيضاً هارفرد فقط. إنه جيل فتح عينيه على العالم وفضاء اتصاله المشرع أمامه، ويشعر عميقاً أن وجوده وحياته وحلمه، أياً كان، حق مستحق، وليس منّة. كل هذا كان ينمو في فراغ وتهالك هائل في خطاب المؤسسات الرسمية وطريقة تعاملها مع عصر كهذا، في البيت، في مؤسسات التعليم، في التنمية... الخ، كل هذا طفح به كيل الشاب/ الإنسان الذي لم تستمع له، ولم تنجح في إقناعه بك، فراح يفتّش عن كينونته وهويّته هنا وهناك!. يا عسى هذه البلدان تغرق في علاج ما أخفقت فيه حيال إنسانها، بقدر غرقها في مواجهة مستغلي إخفاقاتها!.