مشهد صالح بن محمد عبدالله السعدي 77 عاماً الذي كان على الكرسي الخشبي في القرية التراثية بمنطقة الباحة في المهرجان الوطني للتراث والثقافة "الجنادرية 29" وهو يحتضن "ريناد" ذات الأربعة أعوام التي ترتدي الزي التراثي و"محمد" الذي يتمنطق بالجنبية ويشاهد العرضة وهم يوجهون الأسئلة عن تلك الأدخنة التي تنطلق من فوهة البنادق "البارود" ليفتح السؤال الباب على مصراعيه لحديث مطول بين العم "صالح" وأولئك الأطفال عن "صناعة البارود والعرضة وأشكالها وآلاتها وتاريخها"، يمثل حالة "حوارالأجيال" حيث يمطر أطفال بعمر الزهور الآباء والأجداد بسيل من الأسئلة عما يشاهدونه على أرض الجنادرية من فعاليات متنوعة وصور تجسد الماضي الجميل، فيما يجدها الكبار فرصة مواتية لسرد ذكرياتهم الخاصة ورواية طرف من تلك الأيام التي عاشوها, في قرية الباحة كان البئر وأدوات البناء والآلات المستخدمة في العرضة مثار حوار بين الأجيال, وهذا ما يؤكد أن الجنادرية تمثل في حقيقتها حلقة وصل بين الأجيال المتعاقبة وجسراً يربط بين الماضي بكافة أشكاله وصوره ويجسد هذه الحالة من التمازج. يقول العم صالح موجهاً حديثه إلى الطفلين ونبرة الحنين تعلو صوته "الليلة" قبضت على شيء من الزمن الماضي، جلست على هذا الكرسي الخشبي واستندت إلى هذا الجدار الحجري, ومررت بالبئر فتذكرت المجرة والدلو وعبارات لم نعد نسمعها اليوم مثل "هو" و"عل"، ثم يسترسل في شرحها بأنها تقال للدواب عند استخراج الماء من البئر بواسطة الغرب، حيث تفهمها الدواب، فـ"هو" تقال للدابة عندما يصل الغرب إلى أعلى البئر فينحرف بعد أن يتم تفريغ الماء، أما "عل" فتقال له عندما يصل الغرب أسفل البئر فيقفل راجعاً مغيراً اتجاهه للرفع، واستعدت تلك الأيام الخوالي ببساطتها وشظف العيش والتعب اللذيذ.
يقول "تذكرت" مشهد الناس في الحقول صباحاً وهم يزرعون ويحصدون رجالاً ونساءً في مشهد يجسد التعاون والاعتماد على النفس وأجمل معاني الصبر, ويضيف: مشهد البناء في قرية الباحة ذكرني بتلك الأيام التي كنا فيها نعتمد على أنفسنا ونتعاون فيما بيننا لإنجاز منزل متواضع من الحجر.
العم صالح وجدها فرصة لشرح كل ما يتعلق بالمشغولات والحلي والزينة وطقوس الحصاد والزراعة ومواسمها والزواج، فيما كانت موجودات المتحف التراثي والمطعم الشعبي نافذة على الماضي البعيد بكل جمالياته ومصاعب الحياة. الأطفال أنفسهم كانو يقبلون على الجنادرية بأسئلتهم بدهشتهم بفضولهم، فتجدهم في أرجاء البيت يتنقلون ويشاهدون ما تم إعداده وتجهيزه. ويختم العم صالح بحديثه إلى الأطفال بقوله: كانت الحياة صعبة وشظف العيش يحيط بنا واليوم وفرت الدولة لنا كل سبل الراحة وننعم بالأمن الوفير.
"راية وريناد وعبدالرحمن الزهراني وشوق الغامدي" كانوا يذرعون أجنحة بيت الباحة وهم يرتدون الأزياء التقليدية.
تقول الطفلة "راية" الجنادرية جميلة وكل ما فيها مميز.
وعن بيت الباحة تقول أعجبتني زفة العروس، وتشاركها "شوق الغامدي" ذات الثمان سنوات وتؤكد أن الفعاليات النسائية في الصالة النسائية جميلة، وقالت إنها شاركت مع والدتها في زفة العروس، وتُشير شوق والسعادة تعلو محياها إلى أنها شاركت مع مجموعة من الأطفال في عرض أزياء نساء الباحة القديمة.