دعونا نتوقف قليلاً مع هذا الأسبوع الساخن الذي حوّل شخصاً تافهاً مثل تيري جونز، وهو رجل دين مغمور في كنيسة صغيرة لم يكن يعلم بها أحد، إلى نجم على شاشات الفضائيات في كل كوكب الأرض ولا أدري عن الكواكب الأخرى، من لا شيء إلى شخص يتلقى اتصالاً من الرئيس الأمريكي باراك أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلنتون " يناشدان " هذا المجنون التافه، ألا يقدِم على فعلته الشنيعة من أجل الوحدة الوطنية ومن أجل السلامة من شيء أكبر قد يحدث. و أنا أكتب هذه المقالة خرجت أخبار جديدة عن رجل دين جديد وكنيسة صغيرة جديدة يريد كاهنها فريد فيلبس أن يقوم بالفعل الشنيع نفسه وهاهو ينفض غبار النكرات عن نفسه ويبتسم للكاميرا. الإعلام المجنون هو المسؤول الأول و الأخير عن تفاقم هذه المشكلة فلولاه لما علم العالم بجونز ولا بفريد فيلبس الذي لا يقل خبالا عنه، إنّه جنون النجومية الذي اعترى المغمور جونز، والحسد الذي تجلى في الرغبة بالحديث للقنوات الفضائية نفسها من جانب فريد فيلبس بعد أن نهشته الغيرة من تيري جونز، إذ لم يكن أحد يقف أمام كنائسهما، فضلاً عن أن يسألهما أو يجري معهما حوارا تلفزيونيا يشاهده العالم بأسره، ولا أدري هل سيضطر الرئيس باراك أوباما للاتصال على فريد فيلبس وتحقيق حلمه في سماع صوت الرئيس، أم أنه سيغلق الباب لكي لا يخرج قسيس مجنون ثالث يسبب مشكلة كبيرة لكي يتصل به الرئيس ويقبل لحيته ألا يفعلها. إن فعلوها، فلا شك أن هذا سيزيد الأحقاد والكراهية و سيؤدي إلى ردود أفعال انتقامية، والانتقام لن يكون في داخل أمريكا، فالمسلم لا يريد أن يخرج من جنة أمريكا ليعود إلى الفقر والقمع، و إنما سيكون ضد المسيحيين الموجودين في داخل العالم العربي والذين هم جزء لا يتجزأ من الأمة العربية، ولن يستفيد القبطي المسكين من قوله إنه أرثوذوكسي وإنه لا يؤمن بالكنائس البروتستانتية والانجليكانية في الولايات المتحدة ولا بالكنيسة الكاثوليكية في روما وإنه لا يحتفل معهم في يوم الكريسماس!!

المجانين موجودون في كل مكان يتربصون بالحياة الدوائر، يحتاجون أدنى فرصة أو مناسبة لإخراج العته الذي ينخر في عقولهم، فلكي نكون منصفين، يجب علينا ألا نقيد الجنون برجال الدين في المسيحية واليهودية، إنه عالم مجنون والإعلام العالمي يزيده جنوناً إلى جنونه، ولو " سفهنا " المجنون لما علم به أحد، لو كان موقفنا هو موقف ابن حزم الأندلسي عندما قال :

إن تحرقوا القرطاس لا تحرقوا الذي

تضمنه القرطاس، إذ هو في صدري

لم أدبّج هذه المقالة وأنا لا أملك حلاً، إن الحل هو في التجاهل الكامل لهذا الجنون وكأنه غير موجود، فالنار تنطفئ عندما لا تجد ما تشتغل فيه، لا يمكن أن يسكت المسلم وهو يرى جنون أمثال تيري جونز من المتزمتين الدينيين الذين هم ضد التيار العام الذي تسير فيه الإنسانية اليوم، وضد كل ما هو متحضر وجميل، إنه التزمّت و التطرّف الذي يخرج من كل الأديان ويقوم به المتطرفون من كل جنس، فالتطرّف لا دين له يختص به، ولا ينبع من الأديان نفسها، و إنما ينبع من سيكولوجية رجل الدين نفسه، وسيادة الفكرة الإلغائية على هواه، فهؤلاء المجانين لديهم قناعة عميقة أن ديانتهم، بل مذهبهم الخاص داخل الديانة المسيحية هو الصواب، وبقية المذاهب المسيحية ضالة وبناء عليه يجب القضاء عليها و محوها من الوجود، ومن باب أولى يجب القضاء على كل اليهود كعرق، وكل الإسلام كدين صرح جونز أنه كان يعتقد أنه مشتق من اليهودية، وأنه لا يملك عنه من المعلومات إلا القليل، كما صرح أنه لم يقابل مسلماً في كل حياته!! ونحن لدينا مثل هؤلاء ممن يريدون أن يحتلوا نيويورك على ظهور الخيل ويعدون مفردة " تعايش" عيباً !!

نحن اليوم في الذكرى التاسعة لتفجيرات الحادي عشر من سبتمبر، وما أريد أن أقوله في هذه الذكرى: إن العالم لو أوقف أدولف هتلر في 1933 حين أصبح رئيس الحزب النازي، لما حدثت الحرب العالمية الثانية في 1939، وإذا كنا نحلم بكوكب يسود فيه السلام والمحبة والتعاون، فيجب علينا أن نخرس المتطرفين من كل دين وجنس، وأن نفعل هذا ولو بالقوة إن اضطررنا إلى ذلك، ما سوى هذا لا أقلل من أهميته، لكن يمكن نقاشه على طاولة سياسية.