مشكلة الصراعات في العالم العربي أن منبعها ـ في غالبها ـ خلاف ديني وليس سياسيا؛ ففي العراق مثلا بنيت الدولة بعد زوال النظام البعثي وفق التقسيم الطائفي والعرقي، وفي لبنان كان ومازال نظام الحكم فيها مبنيا وفق تقسيم الحقائب على الطوائف والأعراق والأديان التي تشكل الفسيفاء الوطني، وفي سورية ليس خافيا بأن ما يجري اليوم من صراع قد تحول من ثورة تطالب بالحق إلى تصفية حسابات طائفية وأجندات إقليمية، تستند في صميمها على هيمنة هذه الطائفة أو تلك.

حتى في مصر، عندما توقع البعض نجاحا لثورة سياسية شعبية ضد الاستبداد وحكم الأقلية، تحول النظام الذي بدا ديموقراطيا، إلى محاولة لهيمنة حزب ديني أحادي التوجه، يرى أنه الوحيد القادر على تطبيق الدين، وإنقاذ البلد من مشاكله الاقتصادية والاجتماعية، على وطن كامل متعدد التوجهات والأديان.

مشكلة التحزب العربي، أنه لا يؤمن بأن سياسة الحكم تعني المشاركة في عملية اتخاذ القرار، وأن من يملك ما يطلق عليه الأغلبية، من واجبه أن يتعاون مع باقي الأطياف التي تشكل النسيج الوطني؛ من أجل الخروج بقرارات تلبي تطلعات الجميع، فالحقيقة المطلقة في السياسة أمر غير موجود، خصوصا في ظل تنوع مرجعيات المجتمع الفكرية والانتمائية دينية كانت أم ثقافية.

في الغرب، يختلف الأمر؛ لأن الخلاف لديهم مبني على رؤى تضع النفعية أساسا في الحكم، والمبادئ التي تؤمن بها يمكن لها أن تعدل وفق المتغيرات الواقعية والظروف السياسية وموازين القوى، بعيدا عن تعنت الاعتقاد بأن ذلك الحزب أوذاك منزه أومنزل من السماء، فتجد التحالفات توازن بين القناعات وبين المتطلبات، وعليه فالحالة السياسية لديهم لا تشوبها العقائدية المفرطة التي تهيمن على السياسة العربية الحالية.

في سياستنا العربية، يكون التنافس فيه بين مذاهب عقائدية، بينما في الغرب يقوم التنافس بين أحزاب سياسية؛ لذلك نجدهم يتحاورون ويتناقشون في قضاياهم الخلافية، في حين نجد أن ما يمكن أن يكون نقاشا وحوارا لدى العرب، ينقلب إلى صراع وحروب يهدف منها كل طرف لتصفية الطرف الآخر.

الدعوة إلى تجريد العمل السياسي من الصبغة الدينية، ليست انقلابا كما يرى البعض على الدين، بل بهدف تكوين أرضية حوارية قابلة للحياة، لا يدعي فيها أي طرف بأنه وكيل السماء وصاحب الكلمة الحق، وبالتالي يمكن بناء بيئة سياسية تعتمد على تلاقح الأفكار وتقديم الحلول، دون أن تكون الأجواء ملبدة بالتجريم والتخوين والتكفير.