مع كل "شبهة" أو تأويل شخصي من أحدهم بشأن تجاوز عمل أدبي أو فني على الثوابت الدينية والاجتماعية، تعود "أسطوانة" الجدل حول من يحدد المعايير الفنية والأخلاقية للعمل، وكيف يمكن التعامل مع الرمزية المفتوحة التي يحملها كثير من الأعمال الأدبية والفنية؟.
فلو أخذنا مثلا التصريح الذي صدر في عدد "الوطن" أمس وفي هذه الصفحة تحديدا، على لسان مخرج مسرحية "في انتظار جودو" محمد الشرقاوي، حول قراره وطاقم العمل الانسحاب من مسابقة مهرجان الجنادرية، الذي تنظمه وزارة الحرس الوطني ويستضيفه فرع جمعية الثقافة والفنون بالطائف، بسبب إصرار اللجنة المنظمة على إجراء تعديلات على العمل، ورفضه تلك التعديلات بحجة أن العمل مجاز رقابيا.
لو أخذنا هذه الحالة كمثال، لوجدنا أن موقف الطرفين، اللجنة المنظمة ومخرج المسرحية، مقبول إلى حد كبير. فكون العمل أجيز من وزارة الثقافة والإعلام ـ حسب قول المخرج ـ وعرض سابقا دون أية مشكلات فإن طلب التعديل في هذا الوقت، قد يكون غريبا في المجمل.
لكن إذا نظرنا كذلك بموضوعية لموقف ورأي اللجنة المنظمة ومبرراتها حول أن بعض ما ورد فيه من عبارات قد فسر واستغل بشكل سيئ من بعض الأشخاص الذين لا يعون أو يفهمون الرمزية في العمل الإبداعي إلا حسب هواهم وربما موقفهم الشخصي من المنظمين، وربما يؤدي ذلك إلى إفشال المسابقة المسرحية بشكل كامل. فإن المنصف سيقول إن اللجنة قد تكون على حق، فالتضحية بعدة جمل أو حركات فنية من أجل نجاح فعالية كاملة أمر منطقي.
وفي رأيي أنه كان الأجدر الجلوس على طاولة نقاش شفافة بين الطرفين، والوصول إلى حل وسط، يبقي العمل في المسابقة بكامل قوته الفنية، وفي الوقت نفسه، تعديل ولو بسيط على ما يمكن تعديله، دون الإخلال بالمضمون، وهذا سيكون ممكنا جدا، لأنه في النهاية لا يوجد مقدس سوى القرآن الكريم.
الأمر الآخر الذي لفت نظري في حديث المخرج الشرقاوي هو تأكيده على أن موقفه هذا جاء دفاعا"عن حرية التعبير والإبداع كحقوق أساسية في الفن والحياة لا مفاوضة فيها ولا تنازلات"، وهو كلام جميل نظريا، بل ومطلوب من مبدع.
لكن يجب أن ننظر بصدق إلى واقعنا الثقافي والاجتماعي بشكل عام، الذي ابتلى بمن نصب نفسه محرضا على كل فعالية ثقافية، حتى وإن وصل به الأمر إلى الاستعانة بالسلطة الأمنية لوقف كل نشاط ثقافي لا يتوافق مع تفكيره. فهؤلاء يريدون أي حجة واهية لكي يغلقوا كل أبواب الإبداع، وقد تساعدهم الظروف المحيطة في لحظة ما. ولذلك يجب ألا نعطيهم الفرصة دائما.