"ليس هناك إعلام محايد".. هذه قاعدة علمنا إياها ما سُمي بـ"الربيع العربي"؛ ولذا صار الباحث عن الخبر المجرد من أهواء موجهي القنوات الفضائية الإخبارية، كالباحث عن آثار من لم يُخلقوا.
في الانتخابات المصرية مثلا، ذهبت الفضائيات الإخبارية إلى طرفين لا توسط بينهما، وضاعت الحقيقة، مما حتم على عشاقها أن يتصيدوها تصيدا.
وكان "كل الصيد في جوف يوتيوب"، إذ استطاعت القنوات الـ"يوتيوبية" أن تنقل إلينا نبض مصر كما هو، دون تزيد، أو تمحك، أو تزوير؛ لأنها تكتفي بالصورة والصوت كما هما في الشارع المصري، قبل الانتخابات، وفي أثنائها، وبعدها، نائية عن "لطميات" مؤيدي "الإخوان"، و"تهويمات" وتشفي المكتوين بنارهم.
"يوتيوب" يقدم لك الشارع عفويا صادقا كما هو، فينقل إليك "زغاريد" مؤيدي الرئيس السيسي، و"دموع" معارضيه، بلا مساحيق إعلامية تجعل الشمطاء غادة، أو تحيل العجوز إلى صبية، وبلا "شخبطات" قولية تشوّه الحسن، أو تحسّن القبيح، في محاولات لتوجيه الرأي العام، وإخضاعه لتوجه القناة غصبا.
نعم، بعض قنوات "يوتيوب"، تنتخب التقاطاتها انتخابا، ليرى المشاهد من خلالها أحد "نصفي الكأس" فقط، لكن ذلك يبقى أقل - في درجة الكذب - من تنميق التقارير الزائفة، ومحاولات التضليل عبر "دغدغة" العواطف، وقلب الحقائق، والاستعانة بـ"الأراشيف"، وبث لقطاتها ممهورة بلفظة: "مباشر"؛ بمعنى أن اختيار اللقطات عبر "يوتيوب"، يقدم نصف الحقيقة على الأقل، وذلك أهون من تزييفها وقلبها قلبا كاملا، من أجل الخضوع لتوجه القنوات الإخبارية التي لا تنقل الأخبار، وإنما "تزيفها".