أشارك حاليا في برنامج تبادل ثقافي وتراثي في الولايات الأميركية المتحدة، هذا البرنامج جمع مهتمين بالمحافظة على التراث ذوي تخصصات مختلفة، عمارة، آثار، فنون، تاريخ، متاحف، من خمس عشرة دولة، وهذه فكرة البرنامج؛ كي يتم تبادل المعرفة والخبرة والخروج بأفكار جديدة.

أثناء التعارف توقفت عند فتاة سمراء البشرة ترتدي حجابا، وسبب توقفي هو ليس ارتداؤها للحجاب، بل لأنها من "جمهورية ترينيداد وتوباجو"، التي تقع في جنوب البحر الكاريبي، أمام الساحل الشمالي الشرقي لجمهورية فنزويلا، وأمام مصب نهر "أورينكو" أهم أنهار فنزويلا، حيث تعد "أرخبيلا" مكونا من جزيرتين رئيستين: هما "توباجو و ترينيداد"، من أكبر جزر جمهورية "ترينيداد و توباجو"، إضافة إلى إحدى وعشرين جزيرة صغيرة أخرى.

واللغة الإنجليزية هي لغتها الرسمية، ورغم كل هذه المسافة، إلا أن الفتاة مسلمة وترتدي الحجاب وهذا ما استوقفني، وجعلها أول من أبدأ بالتحدث معه بل استجوابه؛ لأنه لم يخطر ببالي أن يكون هناك مسلمون في الكاريبي.

أول سؤال طرحته عليها كان متى اعتنقت الإسلام؟. وهذا إن دل على شيء فيدل على جهلي وعدم معرفتي، وهنا تذكرت كلمات الإمام الشافعي عندما قال:

"كلما أدبني الدهر

أراني نقص عقلي

وإذا ما ازددت علما

زادني علما بجهلي"

وهذا كان أول درس لي في هذا البرنامج، أنه ليس للعلم نهاية، قال تعالى: "وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْم إِلا قَلِيلا".

بدأ الإسلام في جمهورية "ترينيداد وتوباجو" من خلال مجموعة من ا?فارقة وصلوا إلى الجزيرة، استقدمتهم السلطات البريطانية للزراعة، حيث تعرضوا للاسترقاق، ورغم ذلك ورث أحفادهم الإسلام من بعدهم بعد أن نالوا حريتهم، هذا غير الكثير من العمال المسلمين الذين تم جلبهم منذ عام 1844م للعمل في الزراعة. ويوجد بها أكثر من 100 مسجد كما تدعم الحكومة التعليم الإسلامي، فتتحمل الجمعيات الإسلامية ثلث الميزانية فقط.

جميع ما سبق تعلمته في أقل من عشر دقائق مع تفاصيل وحكايات أكثر مما ذكرت.

عدت هنا لسؤال نفسي، ما المستوى الذي قد تصل إليه عقولنا؟ فقد قال سبحانه "نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مّن نّشَآءُ وَفَوْقَ كُلّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ"

وهو القدْر الذي رفع به الله سبحانه وتعالى سيدنا وأبونا آدم

وامتاز به عليه السلام على الملائكة.

إن العلم رحمة، رحم الله بها العباد، وأول نعمة أنعم الله بها عليهم، ومن كرمه تعالى أن علّم الإنسان ما لم يعلم، قال سبحانه: "والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا"، بما أنهم في ا?ثر قيدوا العلم بالكتابة ذهنيا، ولفظيا، ورسميا، فكانت أول ما أنزله سبحانه على أشرف خلقه {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ }. ولا ننسى أن العلم ليس مقصورا على الكتابة فقط، بل تارة يكون في الأذهان، وتارة يكون في اللسان، وتارة يكون في الكتابة كما قال ابن كثير.

لكن بأي صورة كان كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:

"ففز بعلم تعش حيا به أبدا

الناس موتى وأهل العلم أحياء".