يدفع الأطفال غالبا ثمن الخلافات والنزاعات بين الأزواج وخاصة عندما يصل الأمر إلى الانفصال لتنشأ الخلافات حول الحضانة والنفقة والرؤية وما إلى ذلك مما يدور في أروقة المحاكم ومراكز الشرطة وما يصل إلى الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان من قضايا يتطلب التدخل فيها حماية للأطفال ورفعا للظلم الذي يحدث من أحد الطرفين، الأمر الذي جعل الكثير يطالب بالتعجيل في إنشاء محاكم الأحوال الشخصية.

"الوطن" طرحت القضية على مختصين في القضاء وحقوق الطفل، وتقصت حقائق وقصصا تستحق أن تروى، لأطفال عنفوا سواء في البيت أو المدرسة، أو حرموا من رؤية أحد والديهم.

مصلحة الطفل

من جهته، قال رئيس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان الدكتور مفلح القحطاني، إن الجمعية لاحظت من خلال القضايا التي ترد إليها، أن هناك "توجها جديدا في القضاء لمراعاة مصلحة الطفل الفضلى في هذه الأمور وتقرير حق الطفل في البقاء مع الأصلح من الأبوين في حال انفصالهما"، مؤكدا أن حق الطفل في العيش مع والديه يواجه العديد من المشاكل في حالة الانفصال ويصبح الطفل ضحية النزاعات بينهما بدون أي اعتبار لحق الطفل في التواصل مع كلا الوالدين، ومما يزيد الوضع صعوبة طول مدة نظر النزاع بين الوالدين أمام القضاء بشأن الحضانة أو النفقة أو الرؤية أو الزيارة، بل إن الزيارة قد لا يتم التوافق على مكانها مما قد يدفع بالأمر أن تقرر الرؤية داخل مراكز الشرطة، مشيرا إلى أن كل طرف في أغلب الحالات يعمل على حرمان الطرف الآخر من رؤية وزيارة الطفل.

نظام الأحوال الشخصية

القاضي عضو مجلس الشورى الشيخ الدكتور عيسى الغيث علق بقوله: "ليس هناك نظام ينص على موضوع الأحوال الشخصية في المملكة"، مشيرا إلى أن هناك أنظمة إجرائية مثل نظام المرافعات الشرعية، ومضى يقول: "يختص بأربعة أنواع من المحاكم، العامة والأحوال الشخصية، والتجارية والعمالية ونظام الإجراءات الجزائية يشمل المحاكم الجزائية، بالإضافة لنظام المرافعات أمام ديوان المظالم، هذه الأنظمة جميعها إجرائية وهناك أنظمة عقوبات مثل نظام الرشوة والتزوير والأسلحة والذخائر والمخدرات ونحو ذلك".

وثيقة مسقط وتغير الأحكام

وتابع الشيخ الغيث بقوله: "هناك تحسن، ولكن ليس هناك مدونة ولا نظام ولا قانون يلزم بهذا الأمر، وصدر بما يسمى وثيقة مسقط (نظام الأحوال الشخصية) عام 1417 واعتمده مجلس الوزراء في جلسته أخيرا، وصدر نظام المحاكم للأحوال الشخصية والسلطة القضائية ولكن ليس هناك للأسف نظام يلزم القضاة"، واستدرك: "والواقع أن القضاة أنفسهم بدأت تتغير أحكامهم وهذا يعود للجيل الجديد من القضاة الذين اختلفوا عن القضاة السابقين ممن درسوا الفقه على المذهب الحنبلي أو رواية من المذهب الحنبلي، فالمرأة إن تزوجت مباشرة يذهب الولد لأبيه، وهذا غير صحيح، فهو ليس إلزاما بل اختيارا، لأن الجديد من القضاة درسوا الفقه المقارن وليس المذهبي".

ومضى يقول: "لكن ما الذي تغير في المحاكم؟ هل هناك قانون أو مبادئ صدرت؟ الإجابة لا مطلقا، والذي تغير أمر طبيعي مع الزمن هو الجيل الجديد من القضاة، الذين يعلمون للمصلحة أن يكون الطفل عند أمه وليس عند أبيه، والدولة لم تقف ضد تقنين الأحوال الشخصية، فمثلا أصدرت هيئة كبار العلماء منذ عدة سنوات موافقتها على تقنين الشرعية، وأهم شيء تقنين الأحوال الشخصية لأن الطفل والمرأة هما الأضعف ويقنن موضوعهما ويوضع لهما مدونة بحيث تكون مرحلة استرشادية وفترة انتقالية ثم تكون إلزامية ولكن للأسف لم يتم تطبيق قرار العلماء بالموافقة، حيث كنا في السابق نرى أن هيئة العلماء هي الرافضة ولكن حينما وافقت بالرغم من موافقتها المشروطة إلا أنه لم يتم الاستفادة من هذا الأمر والآن في مجلس الشورى".

"الأحوال الشخصية".. والممانعة

وقال الغيث: "هناك مشروع قانون للأحوال الشخصية من أجل أن يعالج قانون هذه المسائل، فمن غير المعقول أن نضع نظاما للرشوة والتزوير وأنظمة أخرى كثيرة، وإذا جئنا لقانون الأحوال الشخصية الذي يتعلق بالمرأة والطفل نقول لا يجوز فكيف يجوز في بقية الأنظمة والعقوبات ولا يجوز هنا، وهناك للأسف ممانعة من التيار المتشدد".

وأضاف: "نحن بحاجة إلى حزم، وفي مجلس الشورى يدرس الآن قانون للأحوال الشخصية الخليجي مع بعض التعديلات وكفكرة من إحدى اللجان ومع ذلك اطلعت على تعليق لأحد المشايخ، حيث يقول: نحن لا نحتاج هذا النظام، وهذا رأيه ولكن نخالفه".

وأضاف :"المشكلة أن الطفل هو الضحية، ووجدت أن أكثر الجرائم الموجودة من خلال عملي، من الفتيات أقل من 21 سنة، إما أن يكون لديها مشكلة فقد يكون الأب مطلقا أو مهملا لأولاده، فالواجب الشرعي أن نضع مثل هذا النظام وليس هناك حتى الآن أنظمة للأحوال الشخصية وإنما اجتهادات شخصية من القضاة وتغير الأحكام خلال السنوات الماضية نظرا لأنه دخل إلى القضاء مئات من القضاة الجدد الذين لديهم اتساع في الأفق والنظر في الراجح، وليس كما هو الجيل السابق"، وتابع: "وكثيرا من النساء إذا طُلقت لا تتزوج خوفا من أخذ زوجها لطفلها فهذا يجعل النساء والأطفال مظلومين ومع ذلك هناك اختلاف في الأحكام، فالاجتهادات تختلف من قاض لآخر، ولكن لا يوجد في الجهات التشريعية نظام سوى المقترح الذي قدم قبل أشهر في اللجنة، وأعتقد أنه يحتاج لسنوات وقد بدأت الممانعات من الآن".

حتمية مشروع الأحوال

وأكد الشيخ الغيث أن موضوع الأحوال الشخصية هو اجتهاد من أحد الأعضاء أقنع اللجنة التي يعمل بها في حقوق الإنسان وجعلهم يتبنون هذا المشروع ولسنا ننتظر اجتهادا شخصا، بل يجب أن تكون إرادة وقرار دولة نظرا للظلم الذي يقع على الأطفال والنساء، وعدم العدالة في الأحكام تجاههم، فلا بد من مشروع الأحوال وأن يتم العمل عليه ثم يعرض على هيئة كبار العلماء لتقديم وجهة نظرهم، كون الناس يتظلمون والأطفال ضحايا ونحن ننتظر.

تعنيف لـ"التربية"

من جهتها، ذكرت أم بندر "أخصائية اجتماعية" أنها كانت تجهل تماما حقوق الأطفال إلا حق العيب المتعارف عليه في مجتمعنا، مشيرة إلى أن أطفالها دائما ما يواجهون التعنيف المتداول بمجتمعنا ويؤخذ هذا التعنيف بأنه من باب التربية والخروج بهم إلى مصاف الرجولة بأي طريقة كانت، دون مراعاة لأي حق نفسي أو بدني أو نحو ذلك، وبينت أنها لم تعرف تلك الحقوق إلا بعد مدة طويلة من الزمن من خلال ما تسمعه وما تراه من مظاهر عنف تجاه الأطفال لدرجة الوفاة.

وأضافت أن ثقافة مجتمعنا هي التي خرجت لنا أجيالا لا يهتمون بحقوق الأطفال ولا بما يريدون ويعتقدون أن مسألة الأكل والشرب هي الأساسيات فقط بالنسبة للطفل، وأما غيرها فلا حق له كونه طفلا لا يفهم ولا يعي بالحقوق وإنما هو ضعيف نشكله كيف نشاء حتى ولو كان هذا التشكيل على حساب بدنه أو نفسيته أو شخصيته أو نحو ذلك.

وعن قصص العنف حيث لا تزال الكثير من المدارس وحلقات تحفيظ القرآن الكريم بالمدارس تمارس العنف النفسي والجسدي والإهمال حيث تشكو الأسر من ضرب الطلاب والطالبات وخاصة في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة بينما تمارس بعض المدارس الثانوية العنف النفسي لفظا على الطالبات بصورة استفزازية.

وأشارت المعلمة حنان محمد إلى أن مديرات المدارس يمارسن العنف ضد المعلمات بطرق عدة منها "الصراخ وامتهان قيمة المعلمة وكيانها أمام الجميع، وتعلل بعض مديرات المدارس بأنهن يعانين حالة عصبية ويخرجن عن طورهن، علما بأن البعض منهن تنال منصبا وكرسيا لا تستحقه".

وأشارت أم سالم ولية أمر طالبة بإحدى المدارس الثانوية إلى أن مديرة مدرسة ثانوية لا تراعي ألفاظها وتمتهن الطالبات إلى أقصى درجة، مضيفة: "تمت شكوى هذه المديرة إلى الجهات المختصة ولكن لم يتم عقابها بالصورة المناسبة، بل كانت تتطاول أكثر وأكثر، وزاد الطين بلة أن تمت ترقيتها لتحصل على لقب مشرفة تربوية".

وتشكو كثير من الأسر وأولياء الأمور العنف الذي يمارس على الطلاب والطالبات في المدارس بالرغم من التعاميم الصريحة والواردة إلا أنها تعد حبرا على ورق، حيث لا يتم تطبيقهـا بالمرحلة الابتدائيـة خاصـة، وفي بقية المراحل.

وبينت أم عمر بأنها عجزت في المدارس الابتدائية التي تعاني فقرا في تغذية منسوبيها بأن هؤلاء الطالبات ما يزلن أطفالا ينبغي لهن مراعاة خاصة، مشيرة إلى أنه وللأسف أصبحت المعلمات في المرحلتين المتوسطة والثانوية يبحثن عن النقل للمرحلة الابتدائية لمجرد الراحة، حيث يتخذن المرحلة الابتدائية للراحة، فأغلب الطالبات بلا اهتمام ويواجهن عنفا، وفي بعض المدارس يتم تركهن في أفنية المدارس دونما مراعاة لتحركاتهن وتنقلاتهن ولهوهن بالكهرباء واللهو على السلالم دونما رعاية واهتمام، بل أصبح الأمر أكثر خطورة في المرحلة الابتدائية، حيث تحضر الطالبات الهاتف النقال والحاسوب والفلاشات المحملة بما يعيب دون رقيب.