على كراسي انتظار رحلة السفر، وأمام البوابة "B20" في مطار فرانكفورت وجدت نفسي أمام، أو في مواجهة ثلاثة من إخوتي من "عرب الشمال"، من العراق وسورية ولبنان، ينتظرون بوابة أخرى للسفر إلى بيروت. وكعادة بني يعرب عندما يلتقون في المهاجر والمطارات يبدأ السؤال: "من وين الأخ؟"، وكعادتهم أيضا عندما يلتقون خارج الحدود، تبدأ حوارات السب والشتم في الأنظمة وفي الشعوب، ويبدأ ترديد القصص النمطية والانطباعات الكاذبة عن حياة الشعوب مع الأنظمة. وحسبي أنني وحيد أمام ثلاثة عرب قادمين من "كاراكاس الفنزويلية"، حيث القدوة هو "هوجو تشافيز"، ونوري المالكي، وبشار وحسن نصر الله. وحين ودعتهم "واقفا" أخرجت جواز سفري الأخضر من جيبي، ورفعته بأعلى ما يمكن أن تصل به اليمين إلى فوق، وبصوت يملأ المكان: هذا هو (الجواز) الذي حملني حرا كريما مرفوع الرأس إلى كل جهات الدنيا، فلن يجبرني مثلكم دخول بلدانكم خفية وتسللا من بوابة بيروت.
كان أخي اللبناني المغرم حد الهيام بالسيد حسن نصر الله، يقول لي فيما أتذكر: ولكن أخبرنا فيما بعد كم ساعة سيستغرق بك هذا الجواز مع مخابرات بلدك عندما تصل إليه بعد ست ساعات؟، كان يقولها غاضبا محتقنا من صوتي المرتفع وأنا أرفع جواز سفري في قاعة سفر مكتظة.
وفي الصورة الخفية، قد لا يعلم هؤلاء أنني كنت على طاولة معالي الوزير، ومعالي سفيرنا في واشنطن، وفي حضور نفر سعودي خالص، وكنت أتحدث عن عشرات الأخطاء والمشاكل، عن النفاق الاجتماعي والطبقية والوظيفة وحقوق المرأة والتنمية المستدامة وتوزيعها.
هم لا يعلمون أن شعوب الخليج ـ وعلى رأسها الشعب السعودي ـ تناقش كل مشاكلها وقضاياها بالمعلن المكشوف.
هؤلاء إنتاج أنظمة سادية فاشية، تعاقب كل الأسرة والقبيلة على خطأ الفرد، ومن المستحيل أن تقنع هذه العقول المبرمجة أن والد ووالدة وأسرة الذي حاول تفجير وزير داخليتنا كانوا ضيوفا على وجبة إفطاره الرمضاني في اليوم التالي من القصة الشهيرة.
وصلت إلى جدة واستغرقت أقل من خمسين ثانية للدخول وختم الجواز، وأنا أعلم أن أصدقائي من القوميين العرب الذين قابلتهم في مطار فرانكفورت مازالوا بحاجة إلى أيام وعصابات للتهريب إلى دمشق وبغداد، وإلى عبور جمهوريات الخوف، فأين تكمن يا بني العرب معالم الحرية؟