منذ أربعة عقود والمنطقة العربية تتقلب على صفيح ساخن، تمضي خططها في سبيل البناء والتنمية ودحر الأمية والقضاء على الأمراض والأوبئة وارتقاء سلالم التطور، لكن هذه المسيرة تتعرقل فجأة بسبب النزاعات والحروب التي تشتعل إما بفعل عربي محض أو بفعل تحريض خارجي، وقد تلبس هذه الحروب رداء الإصلاح الديني مرة أو رداء الثورة والإصلاح الديموقراطي أو تشتعل بسبب طموحات فردية أو أطماع خارجية دوافعها اقتصادية.

قبل أكثر من ثلاثة عقود، كانت المملكة تسير سريعا في ركاب التنمية، لكن نزوة تجهيلية دفعت جهيمان إلى احتلال الحرم المكي وتعطيل الشعائر الدينية فيه خلال كل الفترة التي أمضاها - هو وزمرته - محاصرين حتى تم القضاء على حركتهم الخارجية، لكن القضاء على حركة جهيمان لم يكن مانعاً من حدوث انتكاسة في مسيرة التنمية الحضارية داخل المملكة فيما كانت رياح تصدير الثورة الفارسية تهب من الشرق مما أورث المخاوف في النفوس من هذه الأنفاس الطائفية، والأطماع التاريخية التي أخذت تفوح وتنتشر رويدا في المنطقة فتسبب ذلك كله في اشتعال الحرب العراقية الإيرانية، والتي طحنت اقتصاد المنطقة خلال ثماني سنوات عجاف، وعندما انكفأ ولي الفقيه واستسلم تنمر من بعده صدام حسين وظن أن النصر إنما جاء عن تدبير منه، ونسي الذين أعانوه ودعموه بالعدة والعتاد طوال أيام الحرب لكنه الغرور البشري، الذي قاده إلى غزو الكويت فكانت هذه النزوة هي السيف الذي بتر العالم العربي إلى نصفين الـ(مع) والـ(ضد)، ورغم انكسار المعتدي وردعه ثم طرده لاحقا، إلا أن ثقة الإخوة العرب في بعضهم اهتزت والريبة نبتت والدمامل في النفوس انتشرت، ولم تعد شعارات القومية وبيارقها ترفع في محيط العالم العربي، وقد سعى المصلحون من بعض قادة الدول العربية في كل مؤتمر لاحق لترطيب النفوس، وتقريب وجهات النظر المتباعدة، وترتيب المصالحات بين المتضادين وقد أثمرت الجهود - نسبياً - في نجاح عدد من المصالحات وإعادة وتيرة العلاقات العربية إلى بعض دفئها السابق.

ثم مع عودة عجلة التنمية إلى سيرها الوئيد كانت ارتجاعات حرب أفغانستان قد أيقظت بعض الخلايا الخامدة، التي عادت لأوطانها خارجة عن سياق العصر وكافرةً بالحضارة الحديثة، ومتطلعة في حالة عاطفية لا عقلانية إلى العودة للماضي والخروج من ربقة المدنية الحديثة الملعونة والتي يقود بيرقها الشيطان الأكبر!!، وهكذا كان هؤلاء "الخارجون" يدبرون أمراً في الخفاء وهو ما أنتج لاحقاً نزوة مانهاتن، التي اعتلت ظهر الدين بزعم نصرته فكانت أحداث 11 سبتمبر ضربة موجعة للإسلام وللأعمال الخيرية والتطوعية التي كانت أذرعها منتشرة في أصقاع المعمورة، وتم - للأسف - وأدها، هذا إلى جانب ما أورثته هذه النزوة من هجمة مضادة دمرت العراق وأفقدته الاستقرار حتى يومنا والحال كذلك مع أفغانستان.

نزوات الأفراد وأطماع البشر هما أكثر أسباب الكوارث والنكبات التي تقع في الكرة الأرضية وانعكاساتها السلبية أكثر تأثيراً من الكوارث الطبيعية.

تأمل ما صنعه الخميني، وجهيمان، وصدام، وبن لادن، وجورج بوش، والقذافي، وبشار، من قتل للأنفس وهتك للأعراض لتدرك أن العالم ينمو ويستقر إذا سلم من نزوات وغرور البشر.