من المهم قبل الإجابة عن سؤال كالسابق، أن أذكركم بالدراسة التي توصل لها أحد الباحثين "الفاضين"، التي تنص على "أن جلوس شخصين على مقعدين متجاورين هو البذرة الأولى لبداية صداقة جديدة"، ورغم أن الدراسة السابقة لا تحتاج لتحريك أي عضلة واحدة للتوصل لنتيجتها، إلا أنني قرأتها في المرة الأولى على ظهر جريدة وأنا "متحنط" في صالة انتظار مطار محلي في انتظار رحلة تخلت عن ركابها كالعادة! فلم يتبق إلا أن أستلقي على المقاعد المتجاورة وأن أكتسب صداقات جديدة، بعد أن انتهت كل الأشياء التي من الممكن لمسافر أن يمارسها في ذلك المطار من أجل تحريك دورته الدموية، كالتجول في المحلين التجاريين الوحيدين هناك، وكالتردد على "كاونتر" الحجز لأكثر من خمسين مرة لسؤال الموظف الوحيد هناك عن موعد الإقلاع الجديد! وكقراءة صحيفة للمرة الخمسمئة حتى ينمو حسك الصحفي "بالغصب"! المهم أن تلك الدراسة قد صدقت، فلم يكد يكتب لتلك الرحلة الإقلاع إلا وقد أضفت لقائمة صداقاتي أربع صداقات جديدة، كلها تدين بالفضل لنظرية المقاعد المتجاورة!

بالنظرية ذاتها، يكتسب السعودي صداقاته الجديدة في صالات انتظار المستشفيات الحكومية حين تكتظ الكراسي المتجاورة بأعداد مهولة من المراجعين الذين يقضون جل يومهم هناك؛ لانتظار مقابلة الطبيب، أو من أجل صرف الدواء، ولن ينتهي يوم أحدهم إلا وقد نجح في تكوين شبكة ضخمة من الصداقات ما كانت لتتم لولا البيروقراطية ونقص عدد الأطباء والصيادلة!

ماذا عن بعض دوائرنا الحكومية؟ ما الذي ستملكه حين تستمع لكلمات من شاكلة "مشغول - عنده موعد - في اجتماع"؟ ألن تبحث عن كراسي "انتظاره" المهترئة للجلوس عليها؟ ستنتظره نصف ساعة ثم ساعة، ثم ستكون مجبرا لبدء حديث مع جارك في المقعد لمشاركته الهم ثم تبادل الخبرات والتجارب السابقة، ولن ينتهي اللقاء قبل أن تتبادلا أرقام الهواتف والبريد الإلكتروني!

من المؤسف أن اللقاء سينتهي أيضا قبل أن يحضر ذلك "المشغول - عنده موعد - في اجتماع"!.