اقترب موسم التخرج، حيث تحتفل الأسر بنجاح أبنائها، ويستمتع خريجو الجامعات خاصةً بحُميّا الإعجاب من أسرهم وأصدقائهم بعد سنوات من العمل الشاق والقلق والسهر. ومن الطبيعي بعد هذه الاحتفالات أن يتطلع الخريجون إلى عمل مُجدٍ يحقق أحلامهم، وربما توقعوا أن يحصلوا على وظائف بمجرد تخرجهم. ولِمَ لا وقد رددنا على مسامعهم كثيراً أن بلادهم تنعم بالنمو والازدهار؟
فهل تتحقق توقعاتهم هذه السنة؟
يرسم أحدث تقرير لمصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات صورة قاتمة عن فرص العمل لخريجي الجامعات السعودية، ولذلك ربما اضطروا إلى الانتظار شهورا، إن لم يكن سنوات، قبل أن يحصلوا على وظائف مناسبة. إذ تقدر المصلحة معدل بطالة السعوديين بنحو (11.7) بالمئة، وبالنسبة للمرأة السعودية على وجه الخصوص، يتجاوز معدل البطالة (33) بالمئة. وترتفع نسب البطالة بين الشباب والخريجين على وجه الخصوص، حيث يمثل خريجو الجامعات أكبر نسبة من العاطلين عن العمل (49 بالمئة)، بما في ذلك حملة الشهادات العليا. ويشكل حملة الدبلومات نحو (10) بالمئة إضافية. والصورة أكثر قتامة للخريجات من النساء، حيث يشكلن ما نسبته (71) بالمئة من إجمالي العاطلات عن العمل.
وهذه الظاهرة التي تزداد فيها نسبة البطالة كلما ارتفع تعليم الشخص ظاهرة غير مألوفة في الدول الأخرى، حيث تنخفض معدلات البطالة مع زيادة التحصيل العلمي، وما زالت الشهادة الجامعية أفضل وأسرع وسيلة للحصول على عمل. ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال، وعلى مدى ثلاثين عاماً (1992-2012) كان معدل البطالة للجامعيين يساوي نحو نصف معدل بطالة حملة الشهادة الثانوية، وثلث معدل بطالة من لا يحملونها.
وأكد هذه الظاهرة تقرير مكتب إحصاءات العمل الأميركي في تقريره الصادر يوم الجمعة (6 يونيو)، حيث أفاد بأن معدل البطالة الإجمالي في أميركا ما زال عند مستوى (6.3) بالمئة. وبتحليل ذلك حسب التحصيل العلمي، يوضح التقرير أن معدل البطالة لخريجي الجامعة لم يتجاوز (3) بالمئة، أو أقل من نصف المعدل الإجمالي. أما للأقل تعليما، ممن لم يحصلوا على الثانوية، فقد بلغ المعدل (8.5) بالمئة. وبعبارات أخرى، عكس ما رأيناه في العلاقة بين التحصيل العلمي والبطالة في المملكة.
فلماذا تنعكس الآية مع خريجي جامعاتنا، الذين يمثلون نحو نصف العاطلين عن العمل؟
صحيح أن الاقتصاد السعودي ينمو بمعدلات تاريخية، حيث تضاعف حجم الاقتصاد خلال أربعة أعوام فقط، من نحو (369) مليار دولار في عام 2009 إلى (745) مليار في 2013. ومن المتوقع أن يستمر في النمو بمعدلات صحية خلال السنوات القليلة القادمة، بعد أن تجاوزت المملكة الأزمة الاقتصادية العالمية وخرجت بوضع أفضل بكثير من معظم دول العالم، التي مازالت تعاني من الركود الاقتصادي.
ولكن خريجي هذا العام قد يكتشفون أن الحصول على وظيفة لم يعد سريعا أو مضمونا. صحيح أن النمو الاقتصادي غير المسبوق قد أوجد نحو (2.6) مليون وظيفة خلال الفترة نفسها (2009-2013)، ولكن نحو ثلثها فقط (حوالي 900 ألف وظيفة) تم شغلها بمواطنين حسب الإحصاءات الرسمية. أما بقية الوظائف فقد ذهبت لغير المواطنين.
وعندما تتحدث لممثلي الشركات والمسؤولين عن التوظيف فيها عن هذه المشكلة، يسردون عليك قائمة طويلة من الأسباب التي تجعلهم لا يفضلون خريجي الجامعات السعودية. ويصرون بأن ذلك ليس موجها ضد السعوديين جميعا، لأنهم يوظفون خريجي جامعة البترول، مثلا، وخريجي الجامعات الأجنبية.
المشكلة في رأيهم هي في نوعية غالبية خريجي الجامعات السعودية، الذين تخصصوا في مجالات لم تعد مطلوبة في سوق العمل، أو درسوا مناهج قديمة لم يتم تحديثها تعتمد على الحفظ والوصف النظري. ويفتقرون إلى إجادة اللغات الأجنبية وتطبيقات الحاسب الآلي. وفوق ذلك، في رأي تلك الشركات، فإن خريجي تلك الجامعات يفتقرون إلى المهارات الأساسية لبيئة العمل، مثل إدارة الوقت، والعمل الجماعي، والانضباط، والمرونة.
وبسبب هذه الصورة النمطية لخريجي الجامعات التقليدية، وصعوبة تطوير تلك الجامعات بما يتلاءم مع احتياجات التنمية، لجأ الكثيرون إلى الابتعاث للخارج، لعل الخريجين يكتسبون المهارات التي تجعلهم أكثر جاذبية في سوق العمل.
ولم أجد إحصاءات دقيقة عن عدد المبتعثين في الخارج، ولكنه من المؤكد يتجاوز (200) ألف طالب وطالبة حالياً. فهناك برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، الذي بدأ منذ عدة سنوات، ويدرس فيه حالياً نحو (185) ألف طالب وطالبة يدرسون تحت إشراف وزارة التعليم العالي، حسب الإحصاءات الرسمية. ولا يشمل هذا العدد أولئك الذين يدرسون تحت إشراف جهات حكومية أخرى أو الشركات، أو من يدرسون على حسابهم.
ولعل هؤلاء المبتعثين حين يعودون، ينجحون في تغيير الصورة النمطية للخريج السعودي، ويجعلون الشركات أكثر حرصاً على توظيفه.
ولكن الدارسين في الجامعات الأجنبية لا يمثلون سوى نسبة محدودة من إجمالي عدد طلبة الجامعات في المملكة. ولذلك فإن تحسين فرص الخريجين السعوديين والخريجات في الحصول على وظائف مجدية تتطلب إصلاح الجامعات التقليدية نفسها.
ومنذ سنوات، وُضعت خطط مفصلة لتطوير التعليم العالي، وبدأت بعض الجامعات في رحلة التطوير، إلا أنه ما زال لديها الكثير مما يتعين القيام به، من حيث تغيير أساليب التدريس، وتطوير المناهج والتخصصات بما يتلاءم مع احتياجات الوطن، وزيادة مقاعد الدراسة في التخصصات والمناهج التي يتطلبها سوق العمل، وتحسين تنافسية خريجيها بما يجعلهم أكثر قدرة على المنافسة والإبداع والعطاء.
وبالطبع ليس نقص القدرات والمهارات هو العامل الوحيد وراء بطالة الخريجين، ولكن تطوير قدراتهم سيجعلهم أكثر قدرة على مواجهة الظروف السائدة في سوق العمل مهما كانت.