بعد غياب معلمنا في المرحلة المتوسطة الأستاذ عبداللطيف العلاقي لمدة يومين لإرشاد وفد سياحي قدم من "الدنمارك" لزيارة آثار الأخدود التاريخية في نجران، سألناه بعد عودته عن انطباع الدنماركيين عن معالمنا وتراثنا فقال: "أشد ما لفت انتباهي هو حين ذهبنا بهم إلى داخل صحراء الربع الخالي في المنطقة ما بين مدينة نجران ومحافظة شرورة، نزلوا من السيارات يركضون كأطفال يتسلقون أحد الكثبان الرملية المرتفعة، ومن ثم يتدحرجون إلى الأسفل ويلعبون ويتقاذفون بذرات الرمال حتى اكتست شعورهم الشقراء بلون الصحراء" ضحكنا من تصرفهم الذي يبدو غريباً علينا ولكنه في حقيقة الأمر تصرف طبيعي لأشخاص لم يرو في حياتهم صحراء شاسعة غنية بالرمال الذهبية، إنها بالنسبة لهم شيء مدهش ومثير للفرح والبهجة.
وفي محاضرة ألقاها رجل الأعمال الدكتور، ناصر الطيار، عن الاستثمار في المجال السياحي حضرتها له قبل ثلاث سنوات بغرفة الرياض للتجارة والصناعة يقول: "نضطر للاعتذار عن قبول الكثير من طلبات السياحة في الصحراء التي تردنا من عدة دول أوروبية وأميركية وشرق آسيوية لعدم توفر العدد الكافي من المخيمات الصحراوية المطورة من قبل بعض شباب الأعمال المستثمرين بجهود فردية في أعماق صحراء الدهناء والنفود بمخيمات سياحية فاخرة ومحدودة في عددها، والذين تزدحم عليهم الحجوزات، وننتظر لمدد طويلة لكي نظفر بحجوزات لديهم".
ثقافتنا وتراثنا وبيئتنا المتنوعة من شواطئ وجبال وصحارى وجزر عوامل جذب سياحي كبير للسائح الأجنبي، ولكننا لم نخبره عنها، ولم نغره بالدعاية لها، ولم نهيئ البنية التحتية لاستيعابه وجذبه، واكتفت الهيئة العامة للسياحة والآثار بتشجيع رجال الأعمال على الاستثمار في المجال السياحي وهي على علم بأن رأس المال جبان ولا يميل للمجازفة، وهذا ما تنبهت له بعض الدول ومنها دولة المكسيك التي فشلت في تطوير السياحة لديها، وباءت كل محاولاتها لتشجيع رجال الأعمال على الاستثمار في المجال السياحي بالفشل، حتى خطت خطوة هامة بإقرارها الدعم الحكومي للقطاع السياحي، فعملت على توفير التمويل السخي للنشاطات والاستثمارات السياحية وعلى ضمان التمويلات السياحية والمشاركة في رأس المال المستثمر في القطاع السياحين فحققت نجاحا كبيرا بعد هذا التغيير في سياستها نحو الاقتصاد السياحي، والذي لن تقوم له قائمة في وطننا ما دمنا ننتظر تطويره على أيدي رجال الأعمال الذين ينأون بأموالهم عن المجازفة، ويدخرون استثماراتهم للمجالات الآمنة.
لا يوجد رجل أعمال يمتلك الشجاعة لبناء مدينة سياحية في عمق الصحراء، فمهما زينها بالمخيمات الفاخرة، والواحات وقوافل الجمال والنخيل فإنها لن تكون ضامنة لأمواله التي ضخها في استثمار قد ينجح أو يفشل، ولكنه لن يتردد لحظة واحدة عن الإقدام على ذلك متى ما وجد الدعم الحكومي والضمان لرأس المال وبالتالي نستطيع جذب أموال السائح الأجنبي كتعويض لإنفاق السائح السعودي في الخارج الذي مهما حاولنا وقف إنفاقه الخارجي بتشجيعه على السياحة الداخلية فإن كل محاولاتنا ستقف حائلاً بين آمالنا ورغباته بممارسة هواية السفر والاطلاع على ثقافات وحضارات الدول الأخرى والتمتع بالطبيعة الخضراء التي تتميز بعض الدول بها.
من العبث أن تروج الهيئة العامة للسياحة والآثار على السياحة الداخلية في ظل طبيعة ونمط السائح السعودي العاشق للترحال والسفر وزيارة البلدان، ولذلك يجب علينا أن نوفر جهدنا لجذب أموال السائح الأجنبي للتعويض عن خسائرنا الاقتصادية جراء إنفاق السائح السعودي السخي في الخارج.
تجربة المكسيك في التنمية السياحية تعد من التجارب الرائدة على مستوى العالم وهذا ما أكده الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار بعد حضوره ورشة عمل تتناول تجربة المكسيك في صناعة ودعم السياحة؛ إذ أسهم نمو السياحة في المكسيك في تقوية الاقتصاد المكسيكي وخفض نسبة البطالة بعد أن أصبح القطاع الأول في توفير العمل للشباب المكسيكي. لا يخفى على أحد جهود الهيئة العامة للسياحة والآثار لدعم وتنمية السياحة السعودية ومحاولاتها لخلق وظائف في هذا المجال، ولكنها لم تحقق ما نطمح له، مازالت السياحة لدينا -حتى الآن- لا تعد رافداً اقتصادياً يعتمد عليه في صناعة الفرص الوظيفية وبزيادة الدخل القومي للحكومة، لا نريد لهيئة السياحة أن تدعم سياحة السعودي داخل السعودية بقدر ما نريدها أن تنجح في جذب السائح الأجنبي لوطننا وبالتالي سيكون هذا النجاح رافداً قوياً للاقتصاد السعودي الذي مازال حتى الآن يعتمد بنسبة كبيرة على براميل النفط دون استغلال لثرواتنا الأخرى التي تعد السياحة من أهمها متى ما وجدت البيئة المناسبة والدعم الملائم.
إذا أردت أن تعرف نسبة نجاح السياحة في أي دولة فانظر لأعداد مرتادي معالمها السياحية وتنوع جنسياتهم؛ فكلما زاد العدد وكان مرتادوها من جنسيات مختلفة كان ذلك دليلا على نجاحها في استغلال مواردها السياحية، وبنظرة واحدة لأعداد الزائرين لمعالمنا السياحية وتنوع جنسياتهم نستطيع أن نعرف أي مستوى تعيشه السياحة السعودية.