"الأفضلية" فكرة عربية بامتياز، والمقارنة بين النفس والآخر مرض شعبي عربي من أيام هابيل وقابيل، و"الأفضل" و"الأول" و"الأحسن" و"الأروع" ألفاظ لا نجدها إلا في العالم العربي، ففي أمة العرب لا مكان إلا للفنان الفرد والشاعر الفرد والمسؤول الفرد، لذلك تكثر لدينا الألقاب مثل نجم النجوم وسوبر ستار وفنان العالم، وغيرها من المصطلحات التي ترسخ أن القمة لفرد واحد، بينما القمة في الأساس عريضة تتسع للجميع.
هل السبب اللغة العربية التي تحتفي بباب واسع مهم هو أفعل التفضيل؟، أم في الموروث الاجتماعي الذي يفخر دائما بالأنساب، ويحتفي بالحسب والنسب، ويمارس بالشعر المدح والفخر والهجاء، ويقول أحيانا "انت مش عارف أنا ابن مين؟".
أقول ذلك بمناسبة المعركة الوهمية التي تشتعل كل عام في رمضان، والقضية التي تصبح الشغل الشاغل في أذهان وسائل الإعلام العربية، وهي "الدراما المصرية والسورية .. من تفوق على الآخر؟.
لقد تغذت الكثير من المواد الصحفية والبرامج التلفزيونية طويلا على فكرة الصراع بين الفنون العربية، مرة الصراع بين اللهجات، ومرة أخرى الصراع بين الفنون، ومرة ثالثة الصراع بين الأعمال الدرامية، وأصبح هذا "الموضوع" ملفا جاهزا يتم إخراجه من الأدراج، ولا أدري هل تنقصنا في العالم العربي صراعات لكي نخترع هذه الصراعات الوهمية التي تشبه مصارعة طواحين الهواء.
15 عاما على الأقل عمر الصراع المزعوم بين الدراما المصرية والسورية، وطوال السنوات اللاحقة ظل هذا الموضوع "تيمة" كل عام، .. المسلسلات المصرية والسورية من تفوق على الآخر؟، أحيانا يأخذ الحديث الأسلوب الرتيب الذي يحافظ على شعرة معاوية، وأحيانا أخرى يشتعل الوضع، فيتحول الأمر إلى معركة، ويختفي بين كل ذلك النقد الموضوعي، ويتعاظم وحش العنصرية البغيض.
يا سادة .. لقد تغير العالم، وأصبح الفضاء العالمي المفتوح يقدم لنا على مدار الساعة مئات من الأعمال الدرامية كل عام، ولا مجال للعنصرية أو المقارنة أو التعارك في هذا العالم الجديد.
لقد أصبح المشاهد العربي يتابع ما يريد من مسلسلات بغض النظر عن مصدرها، وأصبحت لا تستطيع التفرقة بين الإنتاج العربي أو المصري أو السوري أو الخليجي، خاصة مع عجينة التعاون الفني المشترك، وتشابك الإنتاج والاستثمارات الفنية، وتنوع الفنانين، فأصبحنا نرى الممثل السوري في أعمال مصرية، ومذيعة لبنانية على قناة مصرية، وفنانا خليجيا في عمل مصري، بل إن الكثيرين باتوا يتابعون مسلسلات أجنبية عالمية مثل "لوست" و"الدكتور" ويصفقون للفن الجميل.
لذلك من العبث أن نظل كعرب نردد هذه الأفكار العقيمة .. ونشغل أنفسنا بصراع الدراما العربية من تفوق على الآخر، ونشعل كل عام داحس والغبراء الدرامية الرمضانية.
أتمنى أن نتوقف عن هذا العبث، ونتعامل مع الإنتاج الدرامي العربي بل العالمي كإنتاج واحد، فالفن واحد والمشاهد واحد، والوحدة الإعلامية والثقافية واقع تحقق منذ وقت طويل.