إن كان يمشي على بطنه، أو على رجلين، أو على أربعة. أو ربما بلغ طوله ذراعا، أو حتى تم بذره لذلك ترى أصله ثابتا، وفرعه في السماء. أيا كان! لن تجد وصفا أبلغ للحزن مما فعله قاسم حداد حين قال: "حزن طويل القامة".

حزين لأن شقيقه ذهب. حزين لأمه لأن ابنها ذهب. حزين لإخوته، فشقيقهم قد ذهب. حزين لحزنه الطويل هذا، لصداعه الآن، وللشخص الذي يجلس على بعد خطوات منه ويسأل بصوت عال: "إذا تبي أي شيء لا تستحي".

"أي شيء؟" يفكر بالرد بصوت عال كذلك: "تقدر ترجعه؟ نبيه هو"، لكنه يستحي ـ عكس ما طلبه السائل ـ ويجيب ببضعة جمل باردة التقطها أثناء سيره الطويل في ظلال حزنه.

هذا ثاني جزء حيوي من جسده يقوم بدفنه، وهو لا يعلم إن كان بخير، أم لا، ولا يهتم بسؤال: "كيف سيستطيع السير مجددا وأجزاؤه مغطاة بالتراب؟".

لا يخلو الحزن من روح مرحة، فأحد الطرف التي يعرضها: "كيف يفقد الحزانى في كل مكان اهتمامهم، على الرغم من كونه الشيء الوحيد الذي ألقاهم في الحزن". لكنهم لا يلتقطون هذه المفارقة؛ لأن الشتات أحد الأشياء التي يقعون عليها أثناء دخولهم في ذلك المكان.

ويبقى احتمال وحيد يمكّنه من السير مجددا، أن يحمل أجزاءه المدفونة، والأرض فوق ظهره ويبدأ السير. حزين كذلك حين يتذكر بأنه يجب عليه فعل ذلك.