بمناسبة اليوم الوطني لسفارة إيطاليا الاثنين الماضي التقينا وكنا - الأصدقاء الأربعة - مدعوين هناك. لم نلتق منذ أيام الدراسة في المدينة الساحرة "ارلنقتون بولاية ميريلاند" قبل سنوات. جمعتنا الصداقة والدراسة ووحدة الوطن في أرض الغربة فكنا قريبين جداً من بعضنا وإن كانت لكل منا حدوته الخاصة.
سلطانة تخرجت بتخصص العلاقات الدولية وعادت لتشغل وظيفة لا بأس بها، مرتبها الشهري يقارب 15 ألف ريال، وكذلك صيتة خريجة القانون والتي تماثل سلطانة من حيث الدخل، وصديقي أسامة في منصب جيد في أحد البنوك الذي يعطيه 20 ألف ريال شهريا، وأنا حيث يتجاوز راتبي صديقي أسامة بقليل، أربعة نماذج لشباب سعوديين. السؤال التقليدي حين التقينا كان بعد السلام: "هاه اشتريت بيت أم ما زلت تنتظر وزارة الإسكان ووزيرها الجديد"، همس أسامة "بشويش" يا صديقي لا تنس أننا في أراضي دولة أجنبية أم لعلك لا تعلم أن أراضي السفارات هي أراض أجنبية وأننا حاليا في إيطاليا ونحتفل باليوم الوطني الإيطالي ما الذي جاء بوزارة الإسكان هنا، لا نريد مناقشة قضايانا الداخلية وهموم المواطن عند الأوروبيين حتى لا يتخذونا سخريا، ابتسم الكل وتفرق الجمع في ردهات منزل السفير. بعد ما يقارب الساعتين ومشاركة الآخرين الحوارات الجانبية من مختلف الضيوف الموجودين التقينا نحن الأربعة مجددا على طاولة مستديرة وسألت صيتة أسامة ألم يجد لك وزير الإسكان منزلا بعد؟ كانت ضحكة أسامة مجلجلة ثم أجاب: "ليس بعد.. فربما وزير الإسكان لم يصل لحل لأزمة شح الأراضي المفتعلة في بلد بحجم قارة؟!. يخيل إليّ أحيانا أننا نعيش في اليابان حين أرى الأسعار الفلكية للمتر الواحد في منطقة سكنية ليست فارهة جداً بآلاف الريالات. هل من الصعب لجم جنون العقار؟ ألا تستطيع الحكومة إيجاد آليات لفعل هذا وتنظيمه.
نسمع جعجعة ولا نرى طحنا، التصريحات الرنانة والمغرية تملأ صفحات الجرائد وما حدث في مؤتمر جدة الذي نظمته الغرفة التجارية وأشرف عليه "صالح كامل" كان مثالا آخر حين انسحب ممثل وزارة الإسكان". قاطعت سلطانة الحديث قائلة "هل لاحظتم إشارة الأمير متعب بن عبدالله قبل أيام أثناء نقده بنكتة ساخرة لحكاية الشبوك؟ أظنها بداية الفرج وربما بداية الحرب على الشبك والتشبيك. رواتبنا تعد من الدخول فوق المتوسطة ومع ذلك الكل منا كما ترون لم يستطع الحصول على منزل صغير وما زلنا نرزح تحت رحمة الإيجارات. أربعة أطفال يستقطعون من راتبي ثمانية الآف شهريا لمدارسهم الخاصة وراتب العاملة والسائق ثلاثة آلاف، فيتبقى من راتبي أربعة آلاف لا أدري كيف أوزعها بين مصاريف البيت وهاتفي وإيجار السكن فكيف يعيش أصحاب الدخول المحدودة؟ هناك من لا يتجاوز راتبه سقف العشرة آلاف. تجار العقار جشعون جداً ويعملون على رفع الأسعار ولا يهمهم أي شيء آخر غير الأرباح وإن كان على حساب الاقتصاد الوطني وقدرة المواطن حتى أصبحت أمنية الشباب السعودي قطعة أرض حتى وإن كانت في بنبان".
قال أسامة: "لنكن واقعيين، ألا تستطيع وزارة الإسكان لو رغبت بفرض ضريبة سنوية على الأراضي البيضاء التي يملكها هؤلاء الجشعون؟ إن قرارا من هذا النوع كفيل بأن يزيد حركة البيع ويضخ الأراضي في السوق فيتناسب العرض مع الطلب وتهدأ الأسعار. تلك الملايين من الأمتار التي يخزنها العقاريون الكبار ويحتجزونها عمدا سيضطرون لبيعها لو حدث هذا. هل لك أن تتخيل أن المنزل الصغير الذي لا تتجاوز مساحته 250 مترا في حي الربيع، حيث أسكن بالإيجار بلغ سعره مليونا وثمانمئة ألف ريال؟ ولو أردت أن تشتري عن طريق البنك فستكون الفوائد ضعف هذا المبلغ وبحسبة بسيطة يجب أن أدفع ثلاثة عشر ألف ريال شهريا لمدة عشرين عاما؟! فهل ستكفي الألفا ريال المتبقية من راتبي لمصاريف الحياة الباقية لي ولأولادي؟!".
أطبق الصمت لفترة بعد هذه الجملة، اغرورقت عينا سلطانة بالدموع وهمست تأخر الوقت يجب أن أعود لأولادي تحياتي لكم وسلم لي على وزارة الإسكان.
أخيرا من هنا من صفحة الرأي في الوطن نلقي بالتحية لمعالي وزير الإسكان شويش الضويحي ونسأل هل من ضوء في آخر النفق؟