يأتي المفهوم العام للنسق الثقافي معبرا عن جميع المكونات الثقافية ومركبات العطاء الإنساني بوصفها منجزا حياتيا يتحد فيه عدد من الممارسات المتفق على حضورها وتأثيرها، وبالنظر إلى التفسيرات التي تناولت النسق الثقافي من حيث هو أفق معرفي "أبستمولوجي" أو أيديولوجيا عامة تسيّر المجتمع ويحتمي هو في نتاجه بظلها، أو "برادايم" خاص وحالة ملازمة لكينونة التفاعلات الثقافية فإن المؤدى العام لوجود النسق هو ما نراه ونعيشه ونقاربه من حراك إبداعي وفني وفكري ينصهر ذلكم كلّه في نمط واحد تتمظهر به المجتمعات وترتسم عبره ملامحها.

المشهد الثقافي السعودي لا يخرج عن هذا المقهوم بل ويكرّس له من عدة اتجاهات محافظا على قواعد النسق وملتزما بثباتها وعدم تحولها، فالرموز الثقافية بقيت رموزا ثقافية مهما تجاوزتها المرحلة، وحضور غيرها يعدّ سطوة وجرأة غير مقبولة، وبما أن الأنساق في حاجة إلى مرونة للتعاطي مع المتغير لتبقى أنساقا مفيدة فإن النسق العام لدينا لما يصل إلى هذه المرحلة ولهذا يفاجئنا بعض ردود الأفعال التي تحاول المحافظة على قيم النسق التقليدية والحيلولة بينه وبين ما يطرأ أو يبعث على التطور والنماء.

سأضرب مجموعة من الأمثلة على اعتلال نسقنا الثقافي عموما، على صعيد الرموز الثقافية بقيت هي المسيطرة على المنبر والزوايا اليومية والملتقيات المهمة والمنتديات الموجهة، وكنت في حوار شخصي مع رئيس أحد الأندية الثقافية الفاعلة عندنا فألمح لي بأن هؤلاء "أتعبونا" وسنعمل على إتاحة الفرصة للشباب وفق ما يرتضيه المشهد، المثال الثاني الذي يضرب نسقنا الثقافي في مقتل غياب الدعم عن كل الأنشطة الإبداعية والفنية والفلكلورية التي تحتويها جمعيات الثقافة والفنون والمسرح أحدها وأهمها ولعل صرخات المسرحيين تسمع من كل مكان جراء ما يعانيه "أبوهم" من شظف العيش، مثال آخر يتمثل في الجوائز الثقافية وما يعتري بعضها من ضعف سواء على صعيد المنجز أو لجان التحكيم التي قد يكون بعض أعضائها أبعد ما يكون عن أسس الفن وأفيائه، الأمر الذي أسهم في إضفاء صفات الإبداع والانتماء على شخوص من الذين يجيدون قفز الحواجز، ومن الأمثلة على نفاذ العلة وتفشيها الإعلام المرئي الثقافي وما ينوء به من ضعف عام ينحدر به إلى مستويات لا يمكن تصديقها مقارنة بالمأمول سواء من حيث المنتج وثقله النوعي أو الإمكانات الفنية، أما اللغة والبيان فلقد كبّرنا عليهما أربعا منذ أمد.

النسق معتل ولا أظنّ ذلك إلا معلوما لدى من يهمه الأمر ولا يمكن علاجه إلا في إطار وعي مجتمعي عام ونوايا صادقة وعمل مؤسسي واضح المعالم.